هذا ليس تهويلاً بقدر ما هو سيناريو محتمل في حال لم يُقدم من هم في موقع المسؤولية على بت أمر حكومة جديدة تبدأ بإجراءات فورية لوقف الإنهيار قبل الوصول الى إفلاس سياسي واقتصادي ومالي.
 

دخلت البلاد كلها دائرة الحجر. والمسار الحكومي ايضاً فرغم المواكبة الفرنسية التي لا تستكين سعياً إلى إنقاذ لبنان من كارثة وشيكة، فإن المواقف التي سجلت في اليومين المنصرمين، على مسار التأليف الحكومي أظهر تبايناً عميقاً، بل تعارضاً، بين المسارين الفرنسي والأميركي حيال لبنان.

 


وإذا كانت التساؤلات حول حقيقة الموقف الأميركي التي مع إطلاق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مبادرته الإنقاذية قد استقرت على وضعه في خانة الحياد الإيجابي، إلا إن المسار التصاعدي للعقوبات على حزب الله وحلفائه في لبنان، بداية مع وزيري تيار المردة وحركة أمل، وأخيراً مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أوحى أن الولايات المتحدة ليست بوارد القبول بحكومة يتم تشكيلها وفق الصيغة التي ارتضى بها الفرنسيون، والتي تعيد تعويم حزب الله وتجدد نفوذه وسطوته على الساحة اللبنانية. 

 


تزامن ذلك مع موقف ناري للسفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، هو الثاني لها في غضون أسبوع حول العقوبات على باسيل، وكذلك حول موقف بلادها من الحكومة العتيدة. فقد قالت بوضوح ان بلادها لن تعترف بأي حكومة يكون حزب الله شريكاً فيها أو مؤثراً فاعلاً، لكن أخطر ما جاء في تصريح السفيرة وفق المصدر قولها إن واشنطن لم تعامل لبنان كما دول الخليج، أي انها لم تتركه بالكامل وظلت تقدم له المساعدات في قطاعات كثيرة، لا سيما الامنية والعسكرية منها. فهل يؤشر كلامها هذا الى نية اميركية بالتخلي عن لبنان وهل يعي المسؤولون فداحة هكذا خطوة، واي مصير سيواجه لبنان المتخبط في ازماته منذ اكثر من سنة اذا أصبح كإيران وسوريا. 

 


بحسب ما تقول مصادر سياسية ، فإن هذا التوجّه التصعيدي، بدا جليا في قول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لدوريل العقوبات الأميركية التي استهدفت سياسيين لبنانيين زادت الأمور تعقيدا، كل هذه الأوضاع تتطلب توافقا وطنيا واسعا لتشكيل حكومة تتمكن من تحقيق المهام المطلوبة منها بالتعاون مع مجلس النواب لاقرار قوانين إصلاحية ضرورية، مشيرا الى أهمية التشاور الوطني العريض في هذه المرحلة الدقيقة.

 


الدبلوماسي الفرنسي حطّ في بيروت لاستعجال التشكيل ناصحا بالتعالي عن الانانيات ومحذرا من دقة الوضع اللبناني على الصعد كافة، غير ان بعبدا أبلغته بصريح العبارة ان اي تنازل او تراجع من قبل الفريق الرئاسي، لن يحصل، رامية الطابة في ملعب الرئيس المكلف سعد الحريري فإما يؤمن توافقا وطنيا شاملا على حكومته، الامر الذي لا يتحقق إلا بتشاوره وتفاهمه مع الكتل النيابية، وأوّلها لبنان القوي، على التركيبة الوزارية، وبمراعاته مطالبها لناحية الحصص والاحجام والمعايير المعتمدة في التأليف، او فإن الحكومة لن تبصر النور ولو استمر الفراغ أشهرا.

 

 

هذه الرسالة أوصلها الرئيس عون الى الاليزيه عبر دوريل، من دون قفازات او مراوغة. وهذه السياسة المتشددة، وفق المصادر، تدل على ان ما بعد العقوبات لن يكون كما قبلها، وأن العهد ذاهب نحو المواجهة لا الرضوخ، في ردّه على القرار الاميركي الذي طال اقرب المقرّبين اليه، والذي تؤكد كل المعطيات انه سيشمل شخصيات اضافية في قابل الايام. وهو  اي العهد  سيدخل هذه الحلبة مدعوما من حلفائه وأبرزهم حزب الله الذي قرر الوقوف خلفه قلبا وقالبا، وفاء لحليفه رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، علما ان غياب الحكومة او وجودها سيّان في حسابات الضاحية

 

إقرأ أيضا : تشكيل الحكومة أمام خيارات صعبة بعد العقوبات

 


هذه الاجواء غير المطمئنة، تؤكد ان اي حكومة لن تولد ما لم يتراجع الحريري عن شروطه، ويؤلّف حكومة بالمواصفات التي يريدها العهد وباسيل. فهل يفعلها، فيما تؤكد باريس والمجتمع الدولي كلّه ان لا دعم لحكومة مسيّسة ام هل الهدف من هذا التصلب البرتقالي احراج الحريري فإخراجه، تحت وطأة الانهيار المالي الصحي الاقتصادي الشامل، تحقيقا لمعادلة باسيل  الحريري معا في الداخل او في الخارج وهل يملك العهد بديلا من بيت الوسط اذا قرر سيّده الانسحاب للتذكير فقط، فإن مواقف رئيس الجمهورية عشية التكليف، أكدت بوضوح انه لا يريد عودة الحريري الى السراي، ولا يراه اهلا لقيادة عملية الاصلاح، وما اشارتُه امام دوريل الى وجود مَن يعرقل التدقيق الجنائي المالي، الا دليلا اضافيا على كون بعبدا والفريق الرئاسي، لم يهضما تكليفه

 


لا تأتي زيارة مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل منفصلة عن السياسة الاميركية للبنان، حيث كشف مصدر ديبلوماسي غربي ان الجانب الفرنسي يملك معطيات من واشنطن دقيقة وخطيرة لها علاقة بتصعيد اميركي غير مسبوق في ما خص العقوبات، وبالتالي تحاول باريس استدراك الوضع من خلال الحث على الاسراع في تأليف الحكومة، قبل فوات الاوان.

 


وتفيد المعلومات، بحسب مصادرمطلعة على الملف اللبناني ان فرنسا ابلغت مراجع سياسية عليا في لبنان بان زيارة دوريل قد تكون الاخيرة في المسعى الذي يقوم به الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. وبالتالي بعد مغادرة دوريل للاراضي اللبنانية دون تحقيق اي تقدم ملحوظ في ملف تأليف الحكومة، سيدخل البلد في نفق لا بصيص أمل فيه، ولا افق له، وهذا ما يفتح المجالات امام عدة احتمالات منها المزيد من التدهور المالي، سقف غير محدود لارتفاع سعر الدولار، فلتان امني. 

 


ورأت المصادر في حال تعطّلت عملية تشكيل الحكومة، ستزداد أزمة البلد على كل الصعد كيف يمكن تفادي السقوط والارتطام بقعر الهاوية . هذا ليس تهويلاً بقدر ما هو سيناريو محتمل في حال لم يُقدم من هم في موقع المسؤولية على بت أمر حكومة جديدة تبدأ بإجراءات فورية لوقف الإنهيار قبل الوصول الى إفلاس سياسي واقتصادي ومالي. وعلى هذا الاساس  تصبح الامور واضحة وضوح الشمس تشكيل حكومة يعني السعي لوقف الانهيار. وعدم تشكيلها يعني الذهاب نحو الانهيار والارتطام.