ثمة فهم خاطىء سائد في الأوساط السياسية للعقبات التي تحول دون تشكيل الحكومة، وهو أقرب إلى الوهم الذي يسود عادة في هذه الأوساط عند كل مفصل تمر به الساحة اللبنانية ومنشأه البحث عن أسباب خارجية في تفسير ما يجري. فالعقبات التي تحول دون تشكيل الحكومة ليست خارجية كما يظن كثيرون بل هي داخلية صرف، تؤكد مصادر متابعة لملف التأليف لـ"لبنان24".

 


قبل الانتخابات الأميركية ساد تحليل ربط المسألة الحكومية بإجراء هذه الانتخابات؛ اليوم حصلت هذه الانتخابات وفاز جو بايدن المرشح الديمقراطي فما الذي تغير سوى أن البعض ذهب في قراءة مستجدة  مفادها ان ولادة الحكومة سوف تتأخر حتى نهاية العام، وذلك ربطا باستلام الادارة الاميركية الجديدة لمهامها في حين أن لا اساس واقعيا ومقنعا لهذه القراءة، تؤكد المصادر.

 

لا يبني المعنيون بتأليف الحكومة مواقفهم بصورة حاسمة بهذه الاستحقاقات الخارجية، إنما ينطلقون من قراءة كل طرف لموقعه وظروفه؛ وعلى هذا الاساس يمكن فهم هذه العقد بوصفها تنازعاً مباشراً بين "التيار الوطني الحر"من جهة وتيار "المستقبل" من جهة أخرى. فالعقدة الشيعية وضعت جانباً وتم الاتفاق على تفاصيلها بين الثنائي الشيعي والحريري، في حين أن العقدة الدرزية باتت ملحقة بالتنازع بين "الازرق" و"البرتقالي" وليست عقدة قائمة بذاتها.

 

يتصرف الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري ولديه قراءته لموقعه ودوره، فهو يعتقد بأن تجريب الخيارات المتعددة لتأليف الحكومة منذ استقالة حكومته بعد 17 تشرين الاول من العام 2017  افضى إلى نتيجة واحدة، وهي حصرية تمثيله بوصفه خياراً لا مناص منه. فالمرحلة هي مرحلة الحريري أو لا أحد، والاخرون من أصدقاء وأخصام باتوا يدركون هذه الحقيقة جيدا. 


إذا كان الواقع على هذا النحو، فإن هذه الفرصة الحكومية قد تكون، وفق المصادر، فرصة الحريري الثمينة التي يجب أن يستغلها جيداً لإعادة ترميم قوة موقع الرئاسة الثانية في التوازنات اللبنانية المعقدة والتقاط اللحظة لإعادة رسم صورته كمنقذ واصلاحي، وكل ذلك يملي عليه ان يكون متشدداً فضلا عن محاولته إعادة ترميم شعبيته المتداعية في الشارع السني، وربما هذا ما دفعه إلى اعادة النظر بتوزيع الحقائب والمطالبة بوزارة الداخلية وطرحه ان تقتصر المداورة على الوزارات الخدماتية.

 

أما "التيار الوطني الحر" فلديه أيضا قراءته لدوره والتحديات التي تواجهه، اذ ان السنوات الاربع الماضية  كانت سنوات إخفاق وعجز عن تحقيق اي من الوعود الكبرى التي بشر بها عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والتي عبرت عن نفسها بالانهيارات الاقتصادية والمالية وتعثر مؤسسات الدولة وسيادة حالة من اللااستقرار السياسي وفضلا عن التراجع الشعبي، لذلك يرى تكتل "لبنان القوي" أنه امام فرصته الاخيرة في الثلث الاخير من ولاية الرئيس عون لإعادة امتلاك زمام الموقف وتأدية دور حازم في مواجهة التحديات الوطنية والحزبية القائمة، وبالتالي فان ما تقدم سوف يدفع النائب جبران باسيل ليكون متشبثا بمطالبه للحصول على حصة وزارية وازنة ودور فاعل في التشكيلة الحكومية العتيدة التي لا يضمن أحد في ألا تكون هي حكومة المرحلة المتبقية من العهد للاشراف على الانتخابات النيابية المقبلة. من هنا عاد  التشدد العوني للمطالبة ولو من خلال رئيس الجمهورية بحكومة من 20 او 24 وزيرا تمهيدا لتحقيق المنشود المتمثل بالثلث المعطل عطفا على تمسك "التيار الوطني الحر" بوزارة الطاقة.

 

 

بين حسابات "ميرنا الشالوحي" و"بيت الوسط" وتشددهما، تكمن المشكلة، ولذلك يجب البحث عن حلول ما من دون الذهاب إلى أسباب مفسرة في واشنطن او في باريس التي يصل موفدها باتريك دوريل إلى بيروت اليوم في محاولة منه لانقاذ ما يمكن انقاذه من  مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون؛ لكن  لغاية اللحظة لا تزال أجواء المراوحة والمكابرة تسود اتصالات التأليف. فالمشهد الحكومي يسوده شيء من الغموض بانتظارأن يبادرأحد الطرفين( العوني  او المستقبلي) إلى التنازل للطرف الاخر، في حين يبدو أن موقف "حزب الله" وحركة "أمل" أقرب إلى العزوف عن أي دور فاعل بين الحريري وباسيل، وربما ينطوي ذلك على امتعاض ضمني من الحالة القائمة وإدراك بالعجز عن ايجاد حلول لهذه المعضلة.