من يتجرأ من اللبنانيين، وإصدقائهم في الخارج، على الرهان على الحكم الحالي، لإخراج البلد من دوامة الأزمات المتفاقمة، قبل فوات الاوان .
 

مما لا شك فيه أن وقْع قانون ماغنيتسكي وعقوباته على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الرجل الأقوى في الدائرة الأقرب إلى الرئيس ميشال عون، جاء صادِماً وفاتِحاً البابَ أمام سيلٍ من الأسئلة حول ارتداداتِه على أكثر من مستوى ولا سيما تأليف الحكومة الجديدة الذي كان أصلاً يدور في حلقة من العقباتِ التي يحاول الرئيس المكلف سعد الحريري تدويرَها بما يتلائم بين مقتضيات التوافق الداخلي الذي لا مفرّ منه لإمرار تشكيلةٍ تَحْضر فيها ملائكة القوى السياسية وبين مستلزمات توفير غطاء خارجي لها على قاعدة شروطٍ مُعلَنة بالصوت العالي.

 

 

وهنا يبرز سسؤال جوهري هل اعادة فرض العقوبات الاميركية، وآخرها ما أعلنته الخزانة الأميركية من فرض عقوبات على النائب جبران باسيل امس، قد يطيح بكل المساعي القائمة لتشكيل الحكومة؟ مصادر سياسية رفيعة المستوى اكدت ان كل الأجواء والاتصالات والمشاورات والمساعي التي قام بها أكثر من طرف سياسي امني لتذليل العقبات حول اعلان الرئيس الحريري تشكيلته الحكومية، باءت كلها بالفشل ووصلت إلى حائط مسدود. وقالت نحن أمام ازمة جديدة قديمة بعد فرض ادارة ترامب عقوبات على باسيل وبعدما وافق عليها كل من وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو ورئيس الخزانة الاميركية ستيفن منوتشن.

 


هذا وشكّلتْ معاقبةُ باسيل، بوصْفه أوّل مسؤول لبناني يستهدفه ماغنيتسكي، ما يشبه الزلزالَ الصامت في بيروت التي وجدتْ نفسَها مضطرّةً للتعامل مع معطى لن يكون ممكناً القفزُ فوقَه. واوضحت مصادر مواكبة لعملية تأليف الحكومة أن ملف تأليف الحكومي مجمد في الوقت الراهن خصوصًا بعد صدور العقوبات بحق باسيل حيث ان كل ذلك سينعكس على ملف تشكيل الحكومة، بالتوازي مع صدور العقوبات. زار الرئيس سعد الحريري قصر بعبدا، في محاولة منه للتفاهم مع عون على إنتاج الحكومة. لكن عون كان غاضباً، واعتبر أن هناك ملفاً أهم من تشكيل الحكومة، وهو متابعة تداعيات العقوبات على باسيل وكيفية الخروج منها . 

 


العقوبات المفروضة والمتوقع صدورها ايضاً ستضع الحريري أمام استحقاقات كثيرة متخمة بالشروط، خصوصاً بعدما وضع الأميركيون خطوطاً حمراء في آلية تشكيل الحكومة، أولها عدم تمثيل الحزب،  وطبعاً هناك شروط أخرى لم تظهر بعد. 

 

إقرأ أيضا : سلطة سياسية محترفة فن هدر الفرص

 

 
الامر الذي يعني أن الصَعْقة الأميركية ستعمّق متاعب العاملين على خط التشكيل، مع استحضارِ أن العقوبات على خليل وفنيانوس أطاحت بتكليف السفير مصطفى أديب وأن إدراج باسيل سيعرقل تكليف الحريري، وصولاً إلى اعتبار أوساط سياسية أن الائتلاف الحاكم قد يزِن المرحلة من زاوية أن التراجع إلى حكومة بشروط ترامب الراحل قد يكون مكلفاً أكثر من تعليق التأليف لما بعد انقشاع الرؤية أميركياً وخصوصاً بحال تسلُّم بايدن، فيكون الأخذ والردّ مع الإدارة الجديدة التي وإن كانت ستتعاطى وفق قاعدة استمرارية الُحكم إلا أن أي مقايضة معها ستكون ذات نتائج أجدى وخصوصاً أنها ستأتي من ضمن التعاطي المنتظر تَبَلْوره مع الملف الإيراني.

 


هذا على المستوى الداخلي اما على المستوى الخارجي فالفرنسيون والأميركيون منهمكون بمشاكلهم الداخلية فتوقفت محركات تأليف الحكومة عن الدوران، وأدّت المراوحة القاتلة إلى حالة من الجمود في الحركة السياسية، كشفت مرة أخرى عجز المنظومة السياسية عن إدارة شؤون البلاد والعباد، في هذه المرحلة الحرجة التي يتخبط فيها لبنان .

 

 

الاميريكيون ضغطوا قبل أسابيع قليلة من موعد الإنتخابات الرئاسية، من خلال إتصال وزير الخارجية مايك بومبيو برئيس الجمهورية العماد ميشال عون، للإسراع في تأليف الحكومة الجديدة، وإستعجال خطوات تكليف سعد الحريري.  وجاءت جولات الديبلوماسي دافيد شنكر على القيادات الحزبية والسياسية لتُؤكد أهداف رسالة وزير خارجيته، بضرورة تسهيل ولادة الحكومة الجديدة .

 


ومع تراجع إهتمام باريس وواشنطن بالوضع اللبناني، نتيجة التطورات الدرامية في فرنسا، ودخول الولايات المتحدة الأميركية في دوامة الإنتخابات الرئاسية، حتى إنقلب فريق رئيس الجمهورية على ما تم التوافق عليه مع الرئيس المكلف، وإعادة الأمور إلى المربع الاول .

 

 

هذا الواقع المحزن لعجز الطبقة السياسية، وتمسكها الأعمى بحسابات الربح والخسارة، وما تقتضيه ذهنية المحاصصات، التي نحرت البلد، وأوصلته إلى الإنهيار الشامل، يعني أن لا حكومة في المدى المنظور، رغم كل التداعيات الخطيرة للفراغ الحكومي الراهن، الذي يُعطل أبسط إمكانيات الإنقاذ والاصلاح . من يتجرأ من اللبنانيين، وإصدقائهم في الخارج، على الرهان على الحكم الحالي، لإخراج البلد من دوامة الأزمات المتفاقمة، قبل فوات الاوان .