,
 

يحارُ المرء عندما يسمع كلمة "الإسلام" ترد على كلّ شفةٍ ولسان، من أُسامة بن لادن وجنرالاته الفقهاء، إلى جورج بوش وطوني بلير، إلى فضل الرحمن في باكستان، إلى روح الله الخميني في إيران أواخر القرن الماضي، إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وخيرت الشاطر مرشد الإخوان المسلمين في مصر، في أيامنا هذه، وكلّ ما هبّ ودبّ على أرض البسيطة، فعن أيّ إسلامٍ يتحدثون؟ من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، يتحدثون عنه كما لو كان مادّة لزجة طريّة هيّنة، موضوعٌ يُقطّعونه ويصلونهُ على هواهم، يُشيّئونهُ ويُجوهرونهُ ( أي يجعلونه كياناً جوهرياً جامداً لا يتطور ولا يتغيّر، لا يحول ولا يزول)، ثمّ يُضخّمونه حتى ليكاد يصبح غولاً مُرعباً، أو وحشاً إيديولوجيّاً يشبه الأخطبوط المُنبعث باستمرار، وإذا كان للغربيّين عذرهم في عدم فهم "الإسلام" بسبب الأدبيات السياسية المُتسرّعة الأحكام حول الإسلام، فما عذر المُثقفين والباحثين في الأوساط الإسلامية، ولماذا أصبح الإسلام على أيدي " المُتنوّرين الإسلامويين"، الذين فُتحت لهم مجلّات خاصة ومنابر إعلامية وفضائيات عملاقة، وغرفوا من آبار النفط ما غرفوا، مُتصلّباً، جامداً، أبديّاً، جوهرانيّاً، لكأنّه فوق الزمان والمكان، والظروف والمناسبات، وبكلمة جامعة: خارج التاريخية، وكيف بعد كلّ ما نُشر وكلّ ما أُسِّس من منابر ثقافية في طول العالم الإسلامي وعرضه، وفي اوروبا وأميركا، لا يزال الإسلام هو المُسبّب الأول والأخير لكلّ الإنحرافات الإيديولوجية ومظاهر العنف والتّعصّب الشائعة حالياً في العديد من الدول التي يسودها الدين الإسلامي، ومن ثمّ انتقلت هذه المظاهر العُنفيّة إلى أوروبا التي استقبلت في السنوات العشر الماضية ملايين المهاجرين والنازحين، وبات العنف الذي  حملته التيارات الإسلامية السياسية إشكالية حادة في المجتمعات الأوروبية.

 

إقرأ أيضا : رئيس جمهورية لبنان ورئيس الحكومة..مثالٌ صالح لكتاب جلادويل الإستثنائيون.


ماذا قدّمت مؤسسات ومحطات فضائية ومنابر ثقافية تدّعي العمل على نشر الدين الإسلامي الحنيف طوال خمسة عقودٍ من الزمن، والذّود عن حياضه، سوى نشر الفكر التّبجيلي التقليدي، وراحت تُركّز على الشعائر والتقاليد، والطقوس والألبسة والزّي والطعام الحلال والحرام في بلاد الغرب، ولم يُكلّف أحدٌ نفسه ليُعرّفنا بأنّ هنالك إسلاماً سعوديّاً وآخر إيرانيّاً، ومن ثمّ إسلامات متنوعة، إندونيسيّة وصينية وسينغالية وهلُمّ جرّا، لم يُلتفت كفاية إلى ضرورة القيام بدراسات إثنولوجية للفئات العرقية والثقافية الموجودة داخل المجال الواسع الذي انتشر فيه الإسلام، حتى تمكّن أساطين الإخوان المسلمين ومُنوّعاتهم، سُنّياً وشيعيّاً، من فتح المعجم الديني القديم، ، ويستخدموا نُتفاً فقهية مُتفرّقة ومُبعثرة منزوعة من سياقها التاريخي، ليّبرّروا أعمالاً وتصرُّفاتٍ وسلوكيات ذات جوهر إيديولوجي سياسي، لا علاقة لها بالدين بالمعنى المُتعالي والتّنزيهي للكلمة، فالإسلام عندما جاء وانتشر راح يتفاعل مع الثقافات المحلية والعالمية، فيُؤثّر عليها ويتأثّر بها ويتلوّن بألوانها، وإذا كُنّا فعلاً جادّين بالخروج من التّخبط الفكري والمعنوي والعقيدي الذي يحيط بنا من كلّ جانب، وخاصةً بما يتعلق هذه الأيام بتصادم الحضارات والأديان،  والمسلمون في خضمّها، على المثقفين أولاً، والمتنورين ثانياً أن يكفّوا عن إعادة إنتاج فكر تبجيلي للإسلام لا طائل منه، وأن يكفّوا عن استعمال الإسلام كمفهوم تجريدي مُغلق بمناسبة ودون مناسبة، كما يفعل الصحافيون والإعلاميون الغربيون والإسلامويّون هذه الأيام على حدّ سواء، إنّ هذا الإستخدام المهووس للكلمة "إسلام" من دون أي حسّ نقدي ونزيه ومُنصف من قِبل الحركات السياسية المعاصرة المدعوة "إسلاميّة"، وهي في الواقع حركات سياسية مُتورّطة في صراعات ضارية، تُقارب الصواب مرّةً وتُجانبُه مرّات، وعلينا وعليها أن نكشف القناع الديني عن وجهها،  فليس كل ما تدّعيه يرقى إلى مصاف المُقدّس، فهنالك اجتهادات وآراء شتّى، وبين هذه وتلك، تُزهق أرواحٌ وتُقاد شعوبٌ بأكملها إلى مصائر مجهولة وفي غالب الأحيان مُظلمة ومُرعبة، وهذا لا يعفي الغرب وأميركا من مسؤلياته الجِسام التي أطلقتها قوى العولمة التي لا ترحم، وهذا همٌّ آخر يحتاج لوقفة على حِدة.