يتوجّب على الغيارى على دينهم الإسلامي، ونقاء صورة نبيّهم، أن يبذلوا جهوداً مفيدة في مساعدة المهاجرين على اجتياز مصاعب الحياة، وتيسيرها بدل تعسيرها، واللهمّ يسّر ولا تُعسّر.
 

مع تدفّق ملايين المهاجرين والنازحين إلى أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا، حمل الاسلامويون المتعصّبون أمراضهم السياسية واحقادهم وجهلهم وتخلّفهم، وكان الداعية الإسلامي الشيخ يوسف القرضاوي قد لاحظ أواخر القرن

العشرين في برنامجه على قناة الجزيرة: "الشريعة والحياة"، حدّة المواقف والاستعراضات الخطابية العنيفة لبعض "الإسلامويين" الذين يتحدثون عبر الهاتف والفاكس من لندن وألمانيا وهولندا والسويد، فيُكيلون القدح والذم "للغرب"

المعادي للإسلام والكافر والضّال، والمُلحد والإباحي والخارج على الدّين والأخلاق والأعراف والمُقدّسات، ولا ينسون طبعاً التّمجيد بدينهم، والإفتخار بشريعتهم والتّأكيد على خصوصياتهم وتمايّزاتهم، وكان ردُّ الشيخ القرضاوي هادئاً

مُعاتباً، مع تذكيرهم بأنّهم هاجروا إلى بلاد الغرب إمّا طلباً للعلم أو العلاج، أو العمل أو الإستجمام، ولم يشأ أن يلفت الانتباه إلى أنّهم بغالبيتهم هربوا من بلادهم تحت وطأة جور وتسلط الحكام، وقسوة الأنظمة وكمّ الأفواه، وأنُ الأجانب

"الكُفّار" كانوا أحنّ وأعطف وأعدل من أبناء جِلدتهم في كثيرٍ من الأحيان.

 

إقرأ أيضا : رئيس جمهورية لبنان ورئيس الحكومة..مثالٌ صالح لكتاب جلادويل الإستثنائيون.

 


في هذه الأيام الحالكة التي تعانيها أوروبا نتيجة تدفق ملايين اللاجئين والنازحين هرباً من مآسي الحروب الأهلية في المشرق والمغرب العربي، وتصاعد الهجمات الإرهابية الفردية بالدّهس والطّعن والإغتيال تحت شعارات إسلامويّة

مُزيّفة ومُخادعة، لا تخدم قضايا المهاجرين والنازحين، ولا ضرورات الإنفتاح والتّثاقف بين الحضارات والأديان، انبرى بعض الدعاة "لنصرة رسول الله" انتقاماً لبعض الصور الكاريكاتورية التي تنال من قداسة نبيّ الإسلامية محمد

 

عليه الصلاة والسلام، إلاّ أنّهم ظهروا كأجهل خلق الله، إن لم نقل أنذلهم، فالغرب عندما قام باندفاعته التاريخية أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين باتّجاه الشرق، حمل معه إلى المشرق والمغرب العربي آخر ما أبدعته 

الحداثة الغربية، ومن الإحتكاك بالغرب، انتعشت الحياة الثقافية( وخاصّةً العربية منها) كردّ فعلٍ طبيعيٍّ على الحضارة الغربية، فاستنفر العرب تراثهم الحضاري، وخاصة ً اللغة والأدب، لتبيان جدارتهم بين الأمم المُتحضّرة، فنشأت

في هذا الخِضمّ الحركات التنويرية وحركات الإصلاح الإسلامي، وانتشرت المنتديات السياسية والأدبية، وأخيراً وليس آخراً تشكّلت حركات المقاومة للوجود الإستعماري، فولّدت التضامن القومي الذي سمح بإزاحة الإستعمار، بالمقابل

ماذا حمل المهاجرون والنازحون معهم إلى بلاد الغرب وهم لا يملكون شروى نقير، ومع الاعتراف الدائم بالصعوبات والمعاناة التي يعانيها جموع المهاجرين النفسية والاجتماعية والسياسية والمعيشية والحياتية، إلاّ أنّه لم يستطع أحد

أن يُثبت تعرّضهم الجماعي لأي أذى عنصري بسبب أصولهم الإثنية أو الدينية أو العقيدية، واستقبال الأجانب في بلاد الغرب كما جرى في الآونة الأخيرة،( استقبلت ألمانيا ملايين خلال أيام معدودة) من المستحيل أن تقبل به بلادٌ

عديدة في المشرق العربي والإسلامي، هذا إذا افترضنا أنّها تملك الإمكانيات المادية والمعنوية واللوجستية لاستقبالهم، في حين أنّ الغرب بوجهيه الأوروبي والأميركي، لو لم يكن قويّاً متيناً بما فيه الكفاية، لما تمكّن من استقبال هذه

الجموع الهائلة التي تدفقت عليه في فترات زمنية قصيرة نسبياً، ونعني بالغرب القوي، أنّه قويٌّ بالبُنى التحتية وخاصّةً الصناعية منها،ونعني أنّه قوي، بالإقتصاد المتين والأنظمة السياسية المتماسكة، لأنّ استقبال الأجانب وتوفير

الظروف المعيشية ولو بالحدّ الأدنى ليس أمراً سهلاً، ولا بدهياً بطبيعته، وكان الغرب وما زال مُضطلعاً بواجباته الإنسانية والأخلاقية اتجاه هذه الملايين من العاطلين عن العمل في أوطانهم، ومعظمهم من الشبيبة الغزيرة، دون تعليم

ودون عمل، ودون سكن، ودون حماية قانونية واجتماعية ونفسية، ولا أمل عندها سوى مواسم الهجرة إلى الشمال، طلباً  للرّزق والسكن، والهرب من الظلم والقهر والاستبداد، وأخيراً من ويلات الحروب الأهلية، ومن الطبيعي أن

تتعرّض هذه الجماعات في مواقع هجرتها إلى المهانة وصعوبات التّأقلم والإندماج، ولو من الجانب النفسي أولاً، وعليها أن تبذل جهوداً مضنية من الجسد والروح لتتمكّن من الاستقرار والبقاء على قيد الحياة، وفي هذا الجانب لا

مسؤولية البتّة على الدول المُضيفة، بل على البلاد التي تدفع ببنيها خارج فضائهم الطبيعي، لا بالعكس، يتوجّب على  الغيارى على دينهم الإسلامي، ونقاء صورة نبيّهم، أن يبذلوا جهوداً مفيدة في مساعدة المهاجرين على اجتياز

مصاعب الحياة، وتيسيرها بدل تعسيرها،  واللهمّ يسّر ولا تُعسّر.