كتبت رنى سعرتي في "الجمهورية": تراوح أزمة القطاع الطبي مكانها رغم تأكيد مصرف لبنان وجمعية المصارف منذ أسبوع انّ اموال المستشفيات ستكون مؤمّنة، وسيتاح لها سحب الاوراق النقدية بالليرة مقابل الشيكات التي تتقاضاها، من اجل تمكينها من تسديد قيمة فواتير المستلزمات الطبية والادوية نقداً بالليرة اللبنانية، للشركات الموردة التي ترفض تسليم البضائع إلّا مقابل الدفع نقداً.

 

لم يُترجم اعلان مصرف لبنان وجمعية المصارف لغاية اليوم عبر آلية واضحة، تتيح للمستشفيات تحويل اموالها الكترونياً للموردين، لأنّ تأمين السيولة النقدية لها سيضطرها الى سحب مبالغ طائلة من المصارف، والمخاطرة بنقل كميات كبيرة من الاوراق النقدية للموردين، الذين بدورهم سيعاودون ايداعها في المصارف، من اجل إتمام عمليات الاستيراد. وبالتالي، فإنّ تعميم مصرف لبنان الرقم 573، الذي ألزم مستوردي المستلزمات الطبية والادوية، تأمين سيولة نقدية لإتمام عمليات الاستيراد المدعومة، ومن ثم التراجع عنه بعد أسبوع، عبر السماح للمستشفيات بسحب مبالغ نقدية من المصارف، لم يؤدِ فعلياً سوى الى هدر أسبوعين، توقف خلالها الموردّون عن تسليم البضائع، ما أدّى الى نقص في المستلزمات والمعدات الطبية لدى المستشفيات، التي اضطرت على اثره الى رفض استقبال المرضى.

 

قد يكون الوقت الضائع بمثابة عملية مموّهة لشراء الوقت والحدّ من السيولة النقدية بالليرة في السوق، وامتصاصها قدر المستطاع، ولو لفترة زمنية قصيرة، من اجل خفض الضغط على سعر صرف الليرة في السوق السوداء، وهو ما حصل فعلاً في الايام الماضية.

 

ويؤكّد المعنيّون بالقطاع الطبي، انّ الاتصالات بين جمعية المصارف والمستشفيات مستمرّة، للتوصل الى آلية واضحة، تمكّن المستشفيات من تحويل الاموال عبر المصارف الى الموردّين، من دون تكبّد عناء سحبها نقداً ودفعها للتجار. ويتوقّعون ان تبصر الآلية النور أوائل الاسبوع المقبل، لتعود الامور الى طبيعتها بين المستشفيات والشركات الموردّة.

 

 في هذا الاطار، أعلن نقيب اصحاب المستشفيات سليمان هارون لـ»الجمهورية» انّ الحلّ الوحيد للأزمة القائمة هو من خلال استثناء القطاع الصحي من تعميم مصرف لبنان 573، واعادة اعتبار وسائل الدفع بالشيكات والتحويلات المالية المصرفية على انّها سيولة نقدية. واكّد انّ المستشفيات ترفض استقبال المرضى بسبب عدم قدرتها على تأمين المستلزمات الطبية والادوية للامراض المستعصية، لأنّها لا تملك السيولة النقدية لشرائها من الموردّين، وبالتالي يتمّ تأجيل عدد كبير من العمليات الجراحية ويتعذّر تقديم العلاجات لمرضى السرطان وغيرهم.

 

بدورها، اوضحت نقيبة مستوردي المستلزمات الطبية سلمى عاصي لـ»الجمهورية»، انّ ««مصرف لبنان فرض علينا تأمين اموال الفواتير القديمة للاستيراد التي في حوزته منذ 4 اشهر، بالإضافة الى الفواتير الجديدة، بالليرة اللبناينة نقداً». مشيرة الى انّ قيمة الفواتير القديمة تبلغ 52 مليار ليرة، «وسنضطّر الى اعادة تأمينها نقداً، وهو أمر في غاية الصعوبة، وقد يستغرق أشهراً، لأنّ الدولة والمستشفيات تسدّد لنا مستحقاتنا «بالقطّارة».

 

واكّدت انّ المشكلة ما زالت قائمة حالياً بانتظار آلية التنفيذ التي ستضعها جمعية المصارف، لتمكين المستشفيات من سحب اموالها نقداً.

 

وفيما اشارت عاصي الى انّ مستوردي المعدّات والمستلزمات الطبية مستمرون في تسليم البضائع للمستشفيات مقابل الدفع نقداً، أكّدت انّ مخزون الموردّين ما زال كافياً رغم تراجع حجمه. مشدّدة على انّ النقص الحاصل في بعض المستلزمات لا يشلّ القطاع الصحي والاستشفائي، «إلّا انّ مخاوفنا تكمن في عدم تمكّننا من تأمين السيولة المطلوبة من اجل مواصلة الاستيراد، واعادة تكوين المخزون من جديد».

 

ولفتت الى انّ الشركات المستوردة تتخوّف من التخلّف عن السداد للموردّين في الخارج، مما قد يعرّضها قضائياً، «وقد لجأت من اجل تفادي هذا السيناريو، الى شراء السيولة النقدية بالليرة اللبنانية مقابل شيكات مصرفية بنسبة 11 في المئة».

 

 

من جهته، أعرب نقيب مستوردي الادوية كريم جبارة لـ«الجمهورية»، عن تفاؤله بقرب التوصّل الى آلية لتنفيذ قرار مصرف لبنان وجمعية المصارف لتأمين السيولة النقدية للمستشفيات وتحويلها عبر المصارف لتسديد فواتير المستوردين نقداً.

 

 

واكّد انّ معظم مستوردي الادوية يستمرون في تسليم احتياجات المستشفيات لاسبوع في الحدّ الاقصى من دون قبض مستحقاتهم حالياً، لأنّ المستشفيات غير قادرة على تأمين السيولة النقدية، في حين انّ المستوردين يرفضون الشيكات، بسبب عدم قدرتهم على استيفائها نقداً.

 

وبالنسبة الى مخزون الادوية، اشار جبارة، الى انّ المستشفيات لم تعانِ يوماً، حتى قبل الأزمة نتيجة تعميم مصرف لبنان، من نقص في الادوية، لأنّ التخزين والتهريب غير واردين في المستشفيات، في حين انّ النقص وانقطاع بعض الادوية في الصيدليات نتجا من تخزينها وتهريبها. وقال، انّ التأخّر في حلّ أزمة القطاع الصحي الناتجة من تعميم مصرف لبنان، سيؤدي الى تأخير عمليات استيراد الادوية، وبالتالي يؤثر على مخزون الادوية.