توجّه قبل يومين غبطة البطريرك مار بشارة الراعي بخطابٍ وجدانيٍّ لرئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري، داعياً إياه بألاّ يضع المسيحيين وراء ظهره، وأن يولي المصلحة الوطنية العليا الأهمية القصوى في عملية تأليف الحكومة الجديدة، دون النظر في مصالح الأطراف السياسية اللاهثة وراء المغانم والإمتيازات، وطاب لغبطة البطريرك أن يُذكّر الرئيس سعد الحريري بمواقف والده الراحل الوطنية اتجاه المسيحيين.

 

اللذين لم يتبقَّ لهم سوى هذا الوطن الصغير بعد أن كان عند نشأته كبيراً، المسيحيون اللذين بذلوا ويبذلون كلّ يومٍ أغلى التضحيات في سبيل بقاء هذا الوطن، ومن غريب المفارقات أن يتوجّه غبطته لأضعف خَلق الله من السياسيين والمسؤولين اللبنانيين لحفظ الوطن وصيانته كياناً ونظاماً، فالواضح أنّ الرئيس سعد الحريري كان وما زال أسير لعبة الرهانات والتلاعبات السياسية الفاسدة، والتي رهنت البلد لمُخطّطات إقليمية ودولية مشبوهة، دفعت بالبلد نحو الهلاك، وربما نحو الزّوال كما بشّر بذلك وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه منذ أسابيع، وكان حريّاً بغبطة البطريرك، مع الإحترام والتقدير الفائقين، أن يتحسّس مكامن الخطر الأكبر على وطن "المسيحيين" عند من نشأت حركتهم السياسية-الدينية- المُسلّحة باعتبار هذا البلد المنكوب لبنان، ما هو إلاّ ساحة صراعٍ ونفوذٍ وعراكٍ في وجه الأمبريالية الأميركية وحُلفائها العرب، وفي وجه العدو الصهيوني حيثُ يلزم، أو حيث تدعو الحاجة، وصرف النظر عن ذلك عند المُلمّات، وساعدهم في ذلك، وهذه من أغرب المفارقات، حليفهم "المسيحي" الصديق الوفيّ الجنرال عون وتيّاره الإصلاحي التّغييري، فحبّذا لو يُركّز غبطته من الآن وصاعداً على الدور التدميري والخطِر الذي يقوم به "مسيحيون" يسيطرون على مواقع ومراكز حساسة لأبعد حدود في مفاصل الدولة اللبنانية المتهالكة، ذلك أنّ إسهاماتهم في تدمير الوطن وزعزعة كيانه واستقراره، تفوقُ إسهامات " المسلمين" بأضعافٍ وأضعاف، كما يُستحسن أن لا يغيب عن بال غبطة البطريرك ووعيه أنّ لبنان لم يكن في يومٍ من الأيام مُهدّداً  بالزوال كما هو اليوم، وذلك في ظلّ "أقوى" رئيس مسيحي، وفي ظلّ أكبر كتلة برلمانية مسيحية،

 

إقرأ أيضا : إسلامُ الرسالة الإنسانية ومكارم الأخلاق، لا إسلام الفتوحات والسيف والذّبح.

 

وأكبر كتلة وزارية مسيحية، وأوسع سيطرة وهيمنة مسيحية على القضاء والإدارة والأجهزة الأمنية والرقابية، لم يُفكّر أحدٌ أو يتخيّل حتى، زوال لبنان في عزّ الإنفلاش الفلسطيني في طول البلاد وعرضها، وفي وجود الإحتلال الإسرائيلي والوصاية السورية على لبنان، لم يخطر ببال أحدٍ من قيادات الحركة الوطنية اللبنانية في الشطر الغربي من بيروت، 

 

وقيادة المقاومة "المسيحية" في الشطر الشرقي منها، أنّ صراعهما يمكن أن يؤدّي إلى زوال لبنان، وصدّقتْ الأحداث بعد ذلك هذا، بالتّوجه لإنهاء الحرب الأهلية باتّفاق الطائف، في حين تؤشّر كل المعطيات والأحداث المأساوية التي تحيط بلبنان هذه الأيام ، أنّ الخطر الأبرز على لبنان ما زال عند من يمتلكون السلاح غير الشرعي، ويدعمهم في ذلك من ما زال قابضاً على سدة الرئاسة الأولى، بعد أن أقسم على صيانة الدستور، أي صيانة الوطن وحماية استقلاله وسيادته.
قال الشاعر:


والعبدُ يُقرعُ بالعصا


والحُرُّ تكفيه المقالة.