كتب منير الربيع في "المدن": تتشّعب ملفات الوضع اللبناني في التوجهات الأميركية. فبعد مفاوضات ترسيم الحدود، يتدخل الأميركيون أكثر فأكثر في لبنان. وآخر تدخلاتهم اتصال وزير الخارجية الأميركية مايك بومبو برئيس الجمهورية ميشال عون، للتنسيق في ملف ترسيم الحدود، والإعلان عن مساعدات أميركية لإعادة إعمار بيروت بعد انفجار المرفأ.

 

صفقات أميركا الانتخابية

هذا تطور في الموقف الأميركي، له مسبباته وستكون له تداعياته. فحصول أميركا على ملف الترسيم، قابله تقدميها بعض التسهيلات في لبنان. ويأتي هذا بعد زيارة اللواء عباس إبراهيم الولايات المتحدة الأميركية، على وقع انتظار مصير الاستشارات النيابية، يوم الخميس المقبل.

 

لا ينفصل ملف الحكومة، عن ملف ترسيم الحدود، ولا عن ملفات أخرى بينها صواريخ حزب الله ومخازن أسلحته، أو الاستراتيجية الدفاعية، وإرساء الاستقرار مع إسرائيل. فيما تتكاثر المواقف الأميركية التي تشير إلى أن دول في الشرق الأوسط ستعقد اتفاقات مع تل أبيب. والتلميحات الأميركية تطال سوريا، وتشير إلى احتمال عقدها مفاوضات مع إسرائيل.


 
 

وفي هذا كله تريد واشنطن جمع أكبر قدر ممكن من الأوراق لاستخدامها في معركة دونالد ترامب الانتخابية. لذا لا يمكن فصل أي ملف عن الآخر.

 

ابراهيم وسيط الأسد؟

وفي هذا الإطار تأتي زيارة اللواء عباس إبراهيم إلى واشنطن، واتخاذها طابعاً تكريمياً له على مساعيه السابقة في إطلاق سراح مواطن أميركي كان محتجزاً في سوريا.

 

وعقد ابراهيم لقاءات مهمة، أبرزها مع مستشار الأمن القومي الأميركي. وتشير المعلومات إلى أن الزيارة تتعلق بملفات لبنانية وسورية مترابطة. وكانت لافتة اللقاءات التي عقدها ابراهيم مع رئيسي الجمهورية ومجلس النواب الأسبوع الفائت، قبيل التحضير لزيارته واشنطن، فيما كان عون قد التقى السفير السوري عبد الكريم علي.

 

وحسب المعلومات، فإن ابراهيم نقل رسالة مباشرة من بشار الأسد إلى المسؤولين الأميركيين، حول الاستعداد لإطلاق سراح الصحافي الأميركي أوستين تايس، المخطوف في سوريا منذ العام 2012. وهذا مقابل مطالبة الأسد الأميركيين بالسماح لدول الخليج بتطبيع علاقاتها معه، وإعادة فتح سفاراتها في دمشق. وهناك خطوة حصلت قبل أسبوعين بتعيين سفير لسلطنة عُمان في دمشق.

 

إضافة إلى مساعي إبراهيم في أميركا، كُشف عن زيارات مسؤولين أميركيين إلى سوريا، الأولى حصلت عن طريق لبنان في أوائل العام 2020. أما الزيارة الثانية فحصلت في آب الفائت برعاية إبراهيم، للبحث في إطلاق سراح وتحرير مواطنين أميركيين.

 

عقوبات وحدود وحكومة

ولا تنفصل زيارة إبراهيم في شقها السوري عن الشق اللبناني، لجهة الدخول على خط التواصل غير المباشر بين الأميركيين وحزب الله، ما بعد إطلاق مفاوضات ترسيم الحدود. وهذا يعني فتح حوار جديد بين الأميركيين والثنائي الشيعي، عبر ابراهيم، بعد العقوبات الاميركية على المعاون السياسي للرئيس نبيه برّي علي حسن خليل.

 

ولا يمكن فصل هذه الملفات عن مساعي تشكيل الحكومة. ومن غير المعروف حتى الآن فحوى الاتصال بين بومبيو وعون. وحسب معلومات، لم يتدخل الأميركيون مباشرة في عملية تشكيل الحكومة، أو تكليف رئيسها أو اختيار أسمائها.


 
 

لكن قد يتخذ عون من اتصال بومبيو به ذريعة لتصعيد موقفه أكثر، أو قد يكون ليناً. وهذا ما تظهره الأيام القليلة المقبلة.

 

وهناك من ينقل عن الأميركيين أن المبادرة الفرنسية لم تعد تستهويهم، لأنها أفرغت من مضمونها. وهم في الأساس كانوا يعتبرونها غير قادرة على تحقيق أي شيء في لبنان.

 

لذلك، لا تبدي واشنطن أي اهتمام مباشر بعملية تشكيل الحكومة، مع تأكيدها حتى الآن على رفضها مشاركة حزب الله في أي حكومة. وفي حال مشاركته، تتصرف واشنطن مع الحكومة كتصرفها مع حكومة حسان دياب، ولن يحصل لبنان على مساعدات.

 

لكن هناك من يعتبر أن عدم التدخل الأميركي المباشر في ملف تشكيل الحكومة، قد يسمح بتمريرها في هذا الوقت "المستقطع": انشغال أميركا بالملفات الأكبر على صعيد المنطقة. والجواب يظهر بوضوح يوم الخميس المقبل.

 

ثمن مفاوضات الترسيم

لا تريد واشنطن الدخول في أي تسوية مع حزب الله قبل الانتخابات الأميركية. فهي حالياً في مرحلة تجميع أوراق قوتها، من دون تقديم أي تنازل. لذا، لا يمكن تمرير أي شيء لحزب الله في لبنان حالياً. فواشنطن تريد للتسوية أن تكون مع إيران وليس مع فرعها اللبناني. أما اللواء ابراهيم فتوجه إلى واشنطن، حاملاً رسائل لبنانية. وهوأرجأ زيارته إلى باريس بعد أن اكتشف أنه أصيب بكورونا. وكان من المفترض أن يلتقي المسؤولين الفرنسيين، لا سيما رئيس المخابرات الخارجية برنار إيمييه.

 

لا شك قي أن موضوع ترسيم الحدود يمثل مكسباً استراتيجياً لواشنطن في لبنان. وهو يحوي شقين: شق تقني وآخر سياسي. وحتى الاتفاق على الشق الأول، لن يحدث بلا ثمن سياسي. وهذا هو موضوع البحث المطروح في المرحلة المقبلة: من يقبض هذا الثمن السياسي، الذي يعمل حزب الله على كسبه منذ الآن، سواء بالتمسك بالتوقيع الثالث في وزارة المال، أو بطرح العقد الاجتماعي الجديد.