لم تكن المنطقة العربية والخليج العربي عُرضةً للتّدخلات الأجنبية عامّةً، والإقليمية خاصّةً، كما هي الحال اليوم، فبعد أن كان الخوف قائماً على دول الطّوق( مصر وسوريا ولبنان والأردن) من المطامع الإسرائيليّة، إذ بدول الخليج العربي تُهرول لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ويفتح لبنان باباً للمفاوضات حول ترسيم الحدود البرية والبحرية معها، وهكذا لم يعد مُستبعداً أن نرى إسرائيل وقد تمدّدت في عمق العالم العربي كثعبانٍ يتقلّب على رملٍ ساخن، أمّا التّدخل الفارسي شرقاً في المنطقة العربية، من الخليج العربي مروراً بالعراق وسوريا، وصولاً إلى مياه البحر الأبيض المتوسط على سواحل لبنان، فما زال في أوج قوّته وطغيانه، أمّا التدخل التركي شمالاً فهو واضحٌ وجليّ في سوريا والعراق بالآلة العسكرية والاجتياح المباشر،

 

إقرأ أيضا : الرئيس الحريري..أنّى توجّهتَ فثمّ وجه صديقك باسيل.

 

 

مع أحلام استعادة أمجاد الأمبراطورية العثمانية الغابرة، فغدت المنطقة العربية بأسرها تعاني من هذه التدخلات المُدمّرة، سياسياً واقتصادياً وعمرانياً وبشرياً، تبدو مُمزّقة الأشلاء، لا يجمعها جامع، ولا تُوحّدعا رُؤى، ولّى زمن الأحزاب القومية، والأحزاب الشيوعية، والأحزاب الوطنية، حلّت محلّها التّجمعات الطائفيّة والمذهبية والقبلية، التي تمرّست في خرق الأعراف الديمقراطية وقٍيمها، وتوزّعت بين مُناهضٍ لبقايا الديكتاتوريات، أو مُناصرٍ لها، ووسط هذا الركام، لم يبقَ للجماهير العربية سوى شرف نزف الدماء المتواصل، ويسألونك كيف ترمي جموع المهاجرين والنازحين بفلذات أكبادها إلى البحر، شاخصةً إلى البرّ الأوروبي، علّه يكون برّ الأمان، وخشبة الخلاص، ومن لا يزال يذكر صرخة المرأة العربية للخليفة العباسي المعتصم: وامعتصماه..ويطيب له أن يصرخ: واعرباه، فحالُه لن يختلف كثيراً عن حال الشاعر عمرو بن معد يكرب:


لقد أسمعت لو ناديتَ حيّاً

ولكن لا حياة لمن تنادي 

ولو نارٌ نفختَ بها أضاءت

ولكن أنت تنفخُ في رمادِ.