كتب منير الربيع في "المدن": تلقت المبادرة الفرنسية الضربة القاضية الثانية. لم ينجح أحد في إنقاذها. والمساعي الفرنسية لم تنجح في إعادة فرض الحريري رئيساً للحكومة. بدت باريس وكأنها الأم التي لا تعرف أبناءها.

 

قرار "لبنان القوي"

قرار تأجيل الاستشارات النيابية مثّل صفعة للفرنسيين، الذين دخلوا منذ مساء الاثنين على خطوط التواصل لتشكيل الحكومة. جمعتهم المصيبة مع سعد الحريري. هم يحتاجون لمنقذ للمبادرة، وهو يحتاج لمسعف يوفر له غطاء تشكيل الحكومة. اتصالات فرنسية بمختلف الاتجاهات تحركت في سبيل تكليف الحريري. أحد لم يقنع ميشال عون بالخطوة، طالما ان جبران باسيل لا يزال رافضاً. قرار تكتل لبنان القوي بعدم تسمية الحريري كان الخط الفاصل لدى عون، لأن المسألة تفترض احتمالين. الأول، عدم تسمية أحد وبالتالي غياب الميثاقية، أو إيداع الأصوات لدى رئيس الجمهورية، وتكرار تجربة رفيق الحريري مع إميل لحود في العام 1998، وبالتالي إحراج سعد الحريري أكثر والإمعان في ضرب الطائف.

 

طالما أن باسيل لم يوافق على الحريري، ولم تنجح مساعي حزب الله في ذلك، تأجلت الاستشارات، وعادت الأمور إلى المربع الأول. لا طريق للحريري إلى السراي إلا عبر جبران باسيل. هذا يعني سياسياً العودة إلى البحث في تشكيل الحكومة على الطريقة السياسية أو التكنو-سياسية.


 
 

وأيضاً لا يمكن إغفال الأسباب الميثاقية التي يتسلح بها عون. هو الذي يقول انه الرئيس القوي والذي لا يمكن أن يتنازل عن صلاحياته، لن يرضى أن يكون "باش كاتب"، وأن يتم في عهده تكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة من قبل وليد جنبلاط ونبيه برّي وحزب الله، فيما دوره مهمش ويقتصر على التوقيع. هذا لن يحصل، لأنه تكرار (وفق النظرة العونية) لـ"الحلف الرباعي".

 

"الثنائي الشيعي" يقطف

نجح الثنائي الشيعي مجدداً بلعب دور المسهّل للمبادرة الفرنسية. في المرة الأولى، حمّل مسؤولية تعطيلها لرؤساء الحكومة السابقين. في المرة الثانية، كان يسعى إلى التوفيق بين عون والحريري، ليبدو كملتزم بالمبادرة إلى النهاية. ولكن عون وباسيل والحريري لم يتفقوا. دعّم الثنائي موقفه بما أعلنه الرئيس نبيه بري رافضاً تأجيل الاستشارات، في خطوة استثنائية الذكاء، خارجاً بمظهر من سهّل حتى النهاية، بينما الآخرون هم الذين عرقلوا.

 

الخلاف بين بري وعون لا ينفصل عن خلاف ملف ترسيم الحدود وتشكيل الوفد، والذي سيكون هناك تداعيات وتبعات كبيرة له. هنا، لا يمكن التغافل عن موقف السفيرة الأميركية لـ"المدن" بعد إطلاق المبادرة الفرنسية. إذ قالت حينها أن المبادرة الفرنسية تخص فرنسا وحدها. وقع الخلافات على الترسيم. وأرخى بثقله على الواقع السياسي. أخذ الأميركيون ما يريدونه ولم يبالوا بتشكيل الحكومة. عدم موافقتهم -وربما تدخلهم- دفع إلى عدم إنجاح عملية التكليف. وهناك من يقول أنه في ظل التهديد بالعقوبات.. وما بين الفرنسيين والأميركيين، سيختار عون الأميركيين حكماً.

 

يتأكد هذا بعد التساؤل عن احتمال تغيير جبران باسيل لموقفه، إذا ما دخل في مشاورات مع الحريري، فما كان من رئيس التيار الوطني الحرّ أن نسف كل المساعي، بتأكيده أن موقفه لن يتغير على الرغم من تأجيل الاستشارات. ما يعني قطع الطريق نهائياً على الحريري. وهذا يعني أن نسف المبادرة الفرنسية جاء لأسباب أبعد من كل التفاصيل الداخلية، ويتخطى فرنسا ومساعيها. ولا بد من البحث عن الأسباب الخارجية، ولا سيما الأميركية.

 

موقف باسيل هو عملياً لدفع بالحريري إلى الانسحاب.

 

أُجلت الاستشارات إلى أسبوع جديد. مواقف كثيرة ستتغير وتتبلور. أما أن يلتقي الحريري بباسيل ويتوافقان، فيتعرّى الحريري أكثر، أو أنه سيحجم، بعد قراءة كل الوقائع المحلية والخارجية، ويرمي كرة التعطيل على عون، فيكون العهد قد انتهى.

 

ما سيأتي سيكون أخطر وأصعب، بغض النظر عن استمرار الحريري بترشيحه وتشكيل الحكومة أو عدمها.