ما تشهدهُ الولايات المتحدّة الأمريكيّة من تناقض صارخ في التعامل بين الأعراق هو ما أدّى الي انفجار الأوضاع، خاصة باعتبار حادثة «جورج» القطرة التي أفاضت الكأس نتيجةَ تراكمات عديدة تعود إلى قرون مضتْ فمفهوم العرق ينمّ عن عنصريّة بعكس ما يروّج له كميزةٍ تعبّر عن الاختلاف الإتيقي بين البشر. 

 

 

لا تشهد الولايات .م .أ  أوج عطائها في جميع المجالات اقتصاديا اجتماعيا و علميا إلخ.. مقارنةً بما كانت عليه في أوجها و هو ما أدّى لتوتر صامت  إزاء القلق المتواصل لدى الطبقة المتوسطة و خاصة الفقيرة المتكونة من 93% أعراق مختلطة، وفي مجتمع مليء بحرب العصابات والمخدّرات أصبح استعمالُ العنف مبرر الشرطة لحماية نفسها أثناء القيام بواجبها، لكن من الملحوظ أن هناك استعمال مفرط للعنف غير المبرر تجاه الأعراق الأخرى نقصد غير البيضاء و خاصة السود الذين لا يزالون يعانون إلى اليوم من العنصرية من أجهزة الدولة نفسها التي تعتبر حرية الاختلاف من أهمّ شعاراتها لكن العنصرية بما تقوم عليه في أمريكا و الغرب عامّة لها تاريخ عميق لا ينمّ عن جهل فقط بل بالعكس فهو نتاجٌ لصيرورة فكرية كاملة تتجاوز الاجتماعي إلى الإمبريالي. ..

 

في كتابه «المفاهيم الرئيسية في الدراسات ما بعد الكليانية ( postcolonial studies the key concepts ) يرى بيل اسكروفت Bill Ashcroft أن فكرة العرق مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالنزعة التوسعيّة للغرب و ذلك لتفرض بشكل أو بآخر هيمنة أخلاقية على مستعمراتها من خلال التمييز الثنائي "binarism" القائم على الأبيض المتحضر في مقابل الأعراق الأخرى البدائية.. وهذه التعلة التي استعملت كمسوّغ للهرم العرقي الذي يترأسه الأبيض و صرح الفيلسوف الألماني المعروف امانويال كانط في هذا السياق عن ترتيب تفاضلي بين الأعراق حيث  أنّ ”الإنسانية في أعلى درجات كمالها متحقّقة في العرق الأبيض” أمّا “الهنود فذو موهبةٍ ضئيلة”. .. وما لبث أن انهالت منذ القرن السابع عشر معايير وتصنيفات تميز بين البشر قصد إثبات التفوق الأبيض تحت حجة العلم ومن أبرز هذه التصريحات العلمية  نذكر شارل هاميلتون سميث وكتابه التاريخ الطبيعي للأجناس البشرية سنة 1848 و روبيرت نوكس في كتابه أجناس البشر سنة 1850.. وقبلهم الفيلسوف الأسكتلندي المشهور ديفد هيوم في كتابه "السمات القومية" (national characters) سنة 1754  يقول "- إنني أميل للاعتقاد أن الزنوج عموما وأنواع البشر كافة أدنى طبيعيا من البيض.." وهو أهمّ رُواد الشُكوكية في الفلسفة..  لكن يبقى كتاب "مقال في تفاوت الأجناس البشرية" 1853 للديبلوماسي الفرنسي "آرثر غوبينو"، الأبرز والأكثر تأثيرًا في التفاوت العرقي حيث كان أثره واضحًا في فكر فريدريك نيتشه وأدولف هتلر وريتشارد فاغنر.. فالكتاب كان أكثر تحديدًا وتفصيلا في تمييزه العرقي الذي يُدرج الأبيض أيضًا لتقسيماته، فيبين لنا الكتاب أنواع البيض وتصنيفاتهم وعلى رأسهم العرق "الآري" aryan الذين يعتبرهم غوبينو "ذروة الحضارة" حيث يجب أن لا يختلطوا بأي عرق آخر لتجنب انحدارهم. و في الأدب فالأديبين المشهورين روديار كيبلينك في كتابه "عبئ الرجل الأبيض" يرى أن مهمة الرجل الأبيض تنوير الشعوب الهمجية، ومارك توين الأمريكي قال في أحد خطاباته في ديسمبر 1867 " وقفت بجانب وزير الحرب و قلت له أن يجمع كل الهنود في مكان مناسب و يذبحهم فما من شيء يمكن أن ينفع هندي سوى مذبحة شاملة و إن لم توافق على هذه الخطة فإن البديل الصابون و التعليم فحين تعلم الهندي و تغسله فإنك تقضي عليه حتما التعليم و الصابون سينسفان كيانه."

 

والتمييز العنصريّ، لم يقتصر عند هذا الحد فالولاياتُ المتحدةُ الأمريكية في الحرب العالمية الثانية لم تكن تفصل بين الجنود البيض و السود فقط بل و كانت تفصل بين دم الأعراق الأخرى و دم البيض للحفاظ على النقاء العرقي للبيض، ناهيك عن الفصل بينهم في الأماكن العامة و وسائل النقل و التي أدّت الى حادثة العجوز السوداء الشهيرة حينما رفضت تسليم كرسيها لشاب أبيض وما نتجت عنها من أحداث بعدها.

 

فثلاثية (العنصرية-الطب الحديث- الدولة القومية) أججت لظهور الدولة النازية و ما خلدت من سياساتها كتعقيم الزنوج و الفاشلين اجتماعيا و تطبيق الموت الرحيم على الرضع ذوي الإعاقة ناهيك عن الهولوكوس. 

 

السياسات القمعية الممارسة علي المختلفين عرقيا على حد عبارة الرجل الأبيض ليست جديدة و لن تنتهي في القريب العاجل كما إن إختلاف تعامل الشرطة حسب العرق واضح وضوح الشمس فبين واقعة 2015 في كنيسة السود و 2019 في مسجد نيوزلاندا تم التعامل مع الإرهابيين كضحايا لمرض نفسي، في حين يتم إذلالٌ مميتٌ حرفيا لجورج فلويد من أجل 10 دولارات مزيفة و ما زاد من تأجيج القضية تصريحات ترامب العنصرية في شكل تهكم ساخر وعدم نضج ساهم في تأزم الوضع.

 

إلى يومنا هذا، مازالت هناك انتهاكات لحقوق الإنسان كما فعلت الولايات المتحدة مع عديد الدول منها العراق و أفغانستان والغريب أن السياسة الأمريكية المتبعة تندرج تحت "حماية حقوق الإنسان" والواقع يخبرُ عكس ذلك..

 

تبقى مسألة التمييز عائقً أمام المساواة العرقية ومشروع الكونية بصفة عامة لكن أقصى ما يقال أن نهاية هذه المسألة تحتاج قرون أخرى من التعقل و تكريس قيم التسامح و قبول الآخر، يحتاج إلى تمرين مطول نظرا لتعدد أشكال العنصرية و تنوعها مع الوقت .

 

رضا المازني