وفي هذه المرحلة، تنتظر البلاد من أي مسعى جديد أن يؤسس الى إعادة تزخيم للمبادرة الفرنسية التي لا يزال الرئيس إيمانويل ماكرون على عهده في متابعتها .
 

من الواضح أن لبنان دخل مرحلة تقطيع للوقت هذه المرحلة التي تلف لبنان المأزوم بكوارثه وفراغه الحكومي الذي يبدو أنه سيكون طويلاً . مع اصطدام المرحلة الاولى من المبادرة الفرنسية حول لبنان للتوصل الى حل أو أقله تسوية تحفظه في هذه الفترة الدقيقة من تاريخه، يتسمّر اللبنانيون أمام الأخبار القادمة من الولايات المتحدة الأميركية لمعرفة مسار الأمور في ظل مرض الرئيس دونالد ترامب، ويتلقفون مآل ذلك على هوية الرئيس المقبل التي سيتمخض عنها تاريخ الانتخابات الاميركية في الثالث من الشهر المقبل .

 


لكن بالعودة الى حساسية ودقة الوضع الداخلي، فإنه لا يمكن الانتظار الى هذا التاريخ الذي لن يشكل سوى بداية تمظهر الحل المقبل وليس بالضرورة أن يشكل الاستحقاق الاميركي بداية فورية للحل، هذا إذا وجد. لذا، يجب التحضير للمناخ المقبل الذي قد ترسو عليه المنطقة عبر السعي لتدوير الزوايا حالياً لمحاولة الاتفاق على إطار عام للتسوية المنشودة . 

 


هذا هو أقصى ما يبتغيه المعنيون في هذه الأسابيع الفارغة من الحل، ولعل معظم الفرقاء ليس متحمساً لهذا الأمر، باستثناء العهد الذي لم يفعل الفشل الفرنسي سوى في تعميق أزمته في ظل صراعه المرير مع الزمن قبل أيام من الذكرى الرابعة لجلوس العماد ميشال عون على كرسي الرئاسة .

 

في غمرة المحاولات لإيجاد ثغرة في هذا الفراغ يأتي اقتراح المبادرة الذي قدمه الرئيس نجيب ميقاتي عرضه من دون ضجيج في الوسط السياسي .


وخلافاً لما طرحه البعض، فإن الرئيس ميقاتي  لم يعرض نفسه أو قدم إسما ما للرئاسة الثالثة. وفي نظرة على ظروف المسعى الجديد، هو يأتي وسط مناخ دولي إيجابي، أميركي خصوصاً، بعد إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري بلسانه ولسان حزب الله ضمنا، عن الإتفاق الإطار حول ترسيم الحدود الجنوبية البحرية ، ما يشير إليه البعض بكونه يجب أن يترافق مع حراك سياسي إيجابي من خلال تشكيل الحكومة المنتظرة بالتوازي زمنياً مع المفاوضات . 

 

 

ويقوم المقترح على واقعية التشكيل المختلط بين السياسي والإختصاصي الذي يُعرف بكونه حكومة تكنوسياسية تردد أنها تضم 14 وزيرا أخصائيا وستة من السياسيين .


في سياق المتابعة للاجواء الدائرة حول التشكيل يشير البعض الى ان هذا المسعى يقترح أن تولى حقائب دولة الى الوزراء السياسيين، تضمهم الى جانب وزراء تكنوقراط. لكن ثمة أسئلة لا تبدو الأجوبة عليها سهلة هنا من سيختار الوزراء التكنوقراط؟ وهل سيقبل الثنائي الشيعي بأن لا يسمي وزراءه من أخصائيين وسياسيين؟ واستطراداً، ماذا عن وزارة المال، أم الأزمات وأعقدها .

 

إقرأ أيضا :  لبنان يتجه الى دولة فاشلة

صحيح أن الثنائي تمكن من تبريد الأجواء مع الادارة الاميركية في رسالة إعلان الاتفاق الاطار قبل أسابيع قليلة من الاستحقاق الأميركي على أمل تجنب المزيد من العقوبات، وأن ما حصل من شأنه منع المزيد من التصعيد، إلا ان ذلك لا يعني، في موازاة ذلك، تحقيق خرق جدي في عملية تشكيل الحكومة في هذه اللحظة السياسية بالذات . 

 

 

والسؤال الاساس أيضاً الذي يحضر هنا ويستتبع أسئلة أخرى أهمها: ماذا عن موقف زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري؟ هل وفر الغطاء المناسب لمسعى ميقاتي؟ وماذا عمّا يشير اليه مقربون منه حول عدم حماسته لهذا الطرح، لا بل رفضه له .


يؤكد متابعون لموقف زعيم المستقبل أنه لا يريد التصدي للمسؤولية السياسية في ظل العهد الحالي الذي يتبقى من عمره سنتين طويلتين، وهي فترة ستكون حبلى بالمفاجآت . 

 

في المقابل ينطلق مراقبون لما يجري لاستخلاص أن مسعى ميقاتي سيؤدي الى خرق للسلبية الحالية، لكن من دون تحقيق إنجاز مهم قبيل الانتخابات الأميركية. وبرغم عدم إفصاح ميقاتي عن إسمه لترؤس تلك الحكومة، يشير متابعون الى أنه يناسب المرحلة كونه يحظى برضا سعودي وقبول دولي وضمنا فرنسي، ما يمكنه من جلب مساعدات مالية بات لبنان في أمس الحاجة إليها .

 


وفي مقابل ذلك، لا يبدو أن الثنائي على استعداد لتسليم ميقاتي ما رفضاه لمصطفى أديب، ناهيك عن موقف رفضي، حتى الآن، لتولية شخصية كميقاتي نفسه. والواقع أن الثنائي لا يرغبان في تقديم جائزة مجانية جديدة للخصم بعد جوائز قيّمة قدماها في اللحظات الماضية القريبة، لا تبدأ بتوقيت الإعلان عن إتفاقية الإطار التي ستتم في العلن برعاية أممية، لكن فعلياً بإشراف أميركي، ولا تنتهي بتجوّل قوات عسكرية من قوات الطوارئ الدولية في الجنوب اليونيفيل، في قلب بيروت .

 

وفي هذه المرحلة، تنتظر البلاد من أي مسعى جديد أن يؤسس الى إعادة تزخيم للمبادرة الفرنسية التي لا يزال الرئيس إيمانويل ماكرون على عهده في متابعتها .