ليس هناك بعد من تصوّر واضح للسيناريو الذي سيملأ فراغ المبادرة الفرنسية في شقها الحكومي. أمّا أسهل الدروب للهروب الى الأمام فتمرّ في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

 

من أغرب مظاهر ما بعد ترنّح المبادرة الفرنسية هو انّ هناك نوعاً من التسليم لدى المتعاطين في الشأن الحكومي او المواكبين له بأنّ مصير الحكومة اصبح اكثر من اي وقت مضى رهينة الانتخابات الأميركية المقبلة.

 

وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ هذا الربط بين الاستحقاقات المحلية وتلك الخارجية هو تقليد لبناني عريق صار جزءاً من الثقافة السياسية المألوفة، وبالتالي لم يعد يشكّل استفزازاً لأيّ كبرياء وطني.


 
 

ولأننا يجب أن نظل معلّقين بروزنامة خارجية ما، وبعدما تبخرت الآمال على المبادرة الفرنسية، انتقل هواة الانتظار الى الوقوف على رصيف الانتخابات الأميركية، ولكن من يضمن انّ لبنان المُستنزَف والموصول الى جهاز تنفس اصطناعي سيظل قادراً على التنفس حتى ذلك الحين؟

 

هل فيروس كورونا المتفلت، وهل السلع الحيوية التي سيرفع عنها الدعم قريباً، وهل سعر الدولار العائد الى الارتفاع، وهل الملفات الاقتصادية والاجتماعية الآخذة في التفاقم ستسمح لنا بالصمود حتى موعد ولادة الرئيس الأميركي الجديد وترتيب إدارته ومن ثم بدء المفاوضات الإيرانية الأميركية واقتناص الحكومة من بين ابتسامات المفاوضين؟

 

انّ هذه المقاربة هي وصفة نموذجية لِلحس المبرد وجلد الذات، وسط التحديات الهائلة التي تواجه لبنان، بمعزل عن انّ التداخل بين عوامل الازمة الداخلية هو تداخل عميق.

 

وتحذّر شخصية بارزة في فريق الأكثرية النيابية من انّ «إدارة دونالد ترامب مستمرة في سياسة التضييق على لبنان وفرض العقوبات القاسية ضد «حزب الله» وحلفائه في عدد من الطوائف، وربما تشمل أيضاً شخصيات أخرى، وذلك الى حين اتّضاح هوية الرئيس المقبل وسياساته».

 

وتلفت تلك الشخصية الى ان «ليس أدلّ على النيات السيئة للأميركيين من توقيت العقوبات على المعاون السياسي للرئيس نبيه بري الوزير علي خليل تحديداً بالترافق مع انطلاق المفاوضات حول تشكيل الحكومة تحت سقف المبادرة الفرنسية، بينما كان بإمكانهم تأجيلها الى ما بعد الولادة الحكومية».

 

قد يكون طبيعياً أن تعطي أميركا الأولوية في نهاية المطاف لمصالحها، لكنّ المشكلة، وفق الشخصية، هي انه لا توجد إدارة منظمة لهذه المواجهة التي فرضها الأميركيون، «مع الأخذ في الحسبان انّ لبنان الصغير والمُنهك لا يملك قدرات إيران على الصمود والاكتفاء الذاتي».


 
 

وتنصح الشخصية المنتمية الى الأكثرية بعدم التلهّي في التفاصيل الصغيرة وعدم ارتكاب خطأ في فهم النيات الحقيقية الكامنة خلف بعض الادوار الدولية في لبنان، «إذ عليك أن تبحث عن توتال والمصالح الفرنسية في الغاز خلف اندفاعة ماكرون، وعليك أن تفتّش عن ترسيم الحدود والمصالح الإسرائيلية خلف الضغوط الأميركية على لبنان».

 

وتستغرب تلك الشخصية كيف أنّ الطبقة السياسية اللبنانية تبدو كأنها اعتادت على بَهدلات ماكرون المتكررة لها، مشيرة الى انّ الطريقة التي اعتمدها في مخاطبة قوى الداخل اللبناني في إطلالته الأخيرة كانت تفتقر الى أدنى شروط اللياقة. وتضيف: «صحيح انه لا يمكن الدفاع عن القوى السياسية التي ارتكبت غالبيتها كل انواع الموبقات، لكنّ اللبنانيين هم الذين يجب أن يحاسبوها. أمّا ان يفعل ماكرون ذلك فهذه تصبح إساءة لنا جميعاً، الا اذا كان كلّ فرنجي برنجي».

 

ويبقى السؤال: هل بالغ ماكرون، الذي يقود واحدة من أهم الدول الاوروبية، في الدخول إلى التفاصيل اللبنانية الموحلة، فالتهمت مبادرته، ام انه أراد أن يخوض بنفسه اختباراً بالذخيرة الحية مع الطبقة السياسية؟