عدم إمتلاك لبنان ترف الوقت أمرٌ لا جدال فيه، لكن عملياً يمتلك طبقة سياسية تحترف إضاعة الوقت والفرص. واليوم تبشّر اللبنانيين بالمزيد من الإنهيار مع دخوله في ثلاجة الانتظار وما سيترتب على ذلك من انعكسات سلبية على الواقع الاقتصادي والاجتماعي ونفاذ إحتياطي المصرف المركزي، الأمر الذي سينعكس على أسعار السلع الأساسيّة، بينما هي لم تقم بأيِّ إجراء مفيد طوال الفترة الماضية. الواقع القائم في البلد اليوم أشبه بسفينة فقد ربانها السيطرة عليها
 

من الطبيعي القول في هذه المرحلة العصيبة التي يمر فيها البلد أن تأليف الحكومة دخل مرحلة انتظار التطورات الدولية وعلى وجه الخصوص الانتخابات الأميركية في النصف الأول من تشرين الثاني المقبل، وهو ما أشار إليه الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون خلال مؤتمره الصحفي الذي صب فيه جام غضبه على معظم القوى السياسية في لبنان . 

 

 

الأمور في لبنان معقدة وهي زادت تعقيداً بعد انكفاء المبادرة الفرنسية التي أجمعت كل القوى السياسية من دون استثناء بأنها تشكل الفرصة الأخيرة للانقاذ في لبنان، وإن كان الرئيس ماكرون قد حرص على الايحاء بأن الروح ما تزال تدبّ في هذه المبادرة، وأن من فشل ليست المبادرة بل القوى السياسية في لبنان التي خذلت ما كانت قد وعدته به خلال اللقاءات التي حصلت خلال الزيارتين المتتاليتين التي قام بها الى بيروت بعد انفجار المرفأ في الرابع من آب الماضي .

 


ويخشى أنه في ظل الجمود الذي سيحكم عملية تأليف الحكومة أن يتحوّل المشهد السياسي في لبنان إلى حلبة تتصارع فيها القوى السياسية لتعبئة الوقت ومحاولة تحصين المواقع ما سيضع البلد أمام المجهول، خصوصاً وأن انهيار الوضع الاقتصادي وتفاقم الوضع الصحي والاجتماعي يُشكّلان أرضاً خصبة لإعادة تحريك الخلايا الإرهابية التي هي لم تنم في الاصل، بل تنتظر الفرصة السانحة للعودة وتوجيه الضربات الأمنية لزيادة الوضع الداخلي ارباكاً، وهو ما بدأت ملامحه تظـهر من خلال ما جرى في منطقة الشمال مع نهاية الأسبوع الماضي . 

 

 

إقرأ أيضا :  لبنان بعد الاعتذار وموقف ماكرون ينتظره المزيد من المخاطر

 

 

 لا شيء جديد في السياق المحلي، فالملف الحكومي عالقٌ إلى أجلٍ تحدّده معطيات الخارج،   وفي الشق السياسي خصّص نصر الله جزءاً أساسيا للرد على كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رافضاً أن يتم اتهام حزبه بالخيانة، مؤكداً أن الحزب رحّب بالمبادرة الفرنسية والتزم بها، لكنه اتهم، رؤساء الحكومة السابقين والأميركيين والسعوديين بتفجير المبادرة وتعطيلها. وعلى الرغم من ذلك لم يقطع نصرالله مع فرنسا تاركاً الباب مفتوحاً أمام استمرار التعاون مع المبادرة وعدم انتهائها، لكنه دعا الفرنسيين الى تصحيح مسارها ومساءلة مَن عمل على إفشالها. إلّا أنه لم يقدم أي فكرة حول كيفية الخروج من المأزق، وسط معطيات تفيد بجمود المفاوضات على هذا الصعيد، وعدم حصول أي تطور، فيما تفيد التقديرات بأن الحكومة ستتأخر إلى ما بعد الانتخابات الاميركية، إلّا إذا حصلت تطورات سياسية أو غير سياسية كبيرة غير منظورة قبل ذلك الموعد.

 

 

لا اتصالات الداخل التي يمكن القول إنها شبه متوقفة. وقد طغى السجال حول مواقع مفترضة لمخازن أسلحة وتصنيع صواريخ من قبل حزب الله بين أمين عام الحزب، حسن نصر الله، ورئيس وزراء العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. وقد تحول الاهتمام من غياب تشكيل الحكومة، وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إلى الملف الامني، خاصة في ضوء التهديدات التي أطلقها نتنياهو ضد لبنان. هذا في وقت خسر فيه لبنان كما العالم العربي أمير دولة الكويت، الراحل الشيخ صباح الأحمد جابر الصباح، الذي كان حكيماً كبيراً، وسنداً داعماً أساسياً، عمل من أجل اللبنانيين في أحلك الظروف.

 

 

في المحصلة، عدم إمتلاك لبنان ترف الوقت أمرٌ لا جدال فيه، لكن عملياً يمتلك طبقة سياسية تحترف إضاعة الوقت والفرص. واليوم تبشّر اللبنانيين بالمزيد من الإنهيار مع دخوله في ثلاجة الانتظار وما سيترتب على ذلك من انعكسات سلبية على الواقع الاقتصادي والاجتماعي ونفاذ إحتياطي المصرف المركزي، الأمر الذي سينعكس على أسعار السلع الأساسيّة، بينما هي لم تقم بأيِّ إجراء مفيد طوال الفترة الماضية. الواقع القائم في البلد اليوم أشبه بسفينة فقد ربانها السيطرة عليها  .