كتب منير الربيع في "المدن": قبيل المؤتمر الصحافي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعلنت قوات الطوارئ الدولية اليونيفيل نشر قوة عسكرية لها في مرفأ بيروت. ليس هذا التحرك مسألة بسيطة، بل هو مؤشر على ملامح الوصاية الدولية على لبنان. ولا بد من انتظار الخطوة التالية لليونفيل في المرفأ ومحيطه، وما إذا ما كانت ستستحدث مركزاً أمنياً أو عسكرياً لها في مطار رفيق الحريري الدولي.

 

مهام اليونيفل الموسعة

صحيح أن القرار 1701 ينص على نشاط قوات اليونفيل في البحر، ومنع عمليات تهريب الأسلحة. ولكن استحداث مركز بري – بحري لهذه القوات في بيروت، يستحق التوقف، أمنياً وسياسياً وإنسانياً. فهل ستوكل لهذه القوات مهام مراقبة عمليات هروب عبر البحر، كما حصل قبل مدة قصيرة انطلاقاً من طرابلس؟

 

توسيع مهام اليونيفل مشروع قديم نسبياً. وهو من بين الشروط الأميركية لتعزيز عملها ونطاق صلاحياتها في لبنان. ولتحقيق ذلك صوّت الأميركيون على التجديد للقوات الدولية لسنة جديدة، مشترطين وضع خطة خلال 60 يوماً لوضع آلية عمل جديدة لهذه القوات.


 
 

وليس صدفة أن يأتي تحرك اليونيفل الجديد هذا، بعد أيام على تفجير عين قانا، حيث لا صلاحية لليونيفيل هناك. وأن يأتي أيضاً قبيل ساعات على موقف ماكرون، وشنه هجوماً شديداً على حزب الله، وتخييره بين أن يكون حزباً سياسياً أو ميليشيا وجيشاً منظماً يخيف اللبنانيين بسلاحه.

 

وعندما تحدث ماكرون عن مخاطر تتهدد لبنان، وقد تنعكس على الوضع في المنطقة، كان يقصد أن أي توتر سياسي أو أمني قد تشهده الساحة اللبنانية، سيؤدي إلى تدفق عشرات اللاجئين اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين في اتجاه أوروبا عبر البحر.

 

مراقبة أذرع إيران

وفي ضوء التصعيد بين الأميركيين والإيرانيين في العراق، الذي تستعد أميركا للإنسحاب منه، محتفظة ببعض قوات عسكرية للمراقبة، هناك تهديد أميركي بإغلاق السفارة الأميركية في بغداد. لكن هناك أيضاً استمرار تمركز الجنود الأميركيين في قاعدة التنف العسكرية على الحدود العراقية - السورية. ومن مهام جنود هذه القاعدة مراقبة الخطّ البري الإيراني الذي يربط طهران ببيروت، مروراً ببغداد ودمشق.

 

وربطاً بتحرك اليونيفل في بيروت، يعني هذا أن الخناق يشتد أكثر فأكثر على أذرع إيران في المرحلة المقبلة. فيما تبقى العين الدولية، والأميركية خصوصاً، مفتوحة على الحدود اللبنانية - السورية: لمراقبة تحركات حزب الله ونقله المزيد من الأسلحة. ورصد حركة مقاتلي تنظيمات إرهابية من سوريا في اتجاه الأراضي اللبنانية. وفي إطار توسيع صلاحياتها قد تضطلع قوات اليونيفيل مستقبلاً بدور بارز في هذا المجال.

 

والبحث في عملية ترسيم الحدود، بعد وضع اتفاق الإطار لها في المرحلة المقبلة، يترافق مع مفاوضات من نوع آخر حول عمل قوات اليونيفيل وتعزيز صلاحياتها.

 

دولياً، لم يعد مقبولاً بقاء القوات الدولية مقيدة الحركة. والتغيير الذي سيحصل في مهامها سينجم عن تكثيف الضغوط الأميركية والدولية على لبنان. هذا إذا بقي موعد إعلان اتفاق الإطار حول مفاوضات الترسيم، قائماً في ظل التطورات المتسارعة التي تعيشها الساحة اللبنانية.

 

لبنان في الفوضى

يحدث هذا كله بعدما يئست القوى الدولية من توجيه التحذير للقوى السياسية اللبنانية، بأن عدم وصولها إلى اتفاق سياسي، يوقع لبنان في الفوضى والخراب.

 

وكان معروفاً أن أي حكومة ستتشكل ستكون مهمتها إدارة الأزمة والخراب، وليس إيجاد الحلول لها. ولم يكن أحد يتوهم أن تشكيل حكومة لبنانية قبل الانتخابات الأميركية سيحلّ الأزمة، ويجلب المساعدات. فمهمة الحكومة الجديدة هي الحفاظ على هيكل الدولة القائم، والتخفيف من مخاطر الفوضى، أو تنظيمها.

 

وبعد فشل المبادرة الفرنسية، دخل لبنان في فوضى غير منظمة، في انتظار مفاوضات قاسية، مفصلية ودقيقة، لم تعد ترتبط بمسائل الإصلاح المالي والإداري، وفي بعض القطاعات الاقتصادية الأخرى.