#روى ابن جرير الطّبريّ المتوفّى سنة: "310هـ" عن أبي مخنف عن الصّادق "ع" قوله: «وجد بالحسين "ع" ثلاث وثلاثون طعنة، وأربع وثلاثون ضربة». [تاريخ الطّبريّ: ج5، ص453]، فيكون مجموع الطّعنات والضّربات وفقاً لهذه الرّواية هو: "67".

 

#لكنّ هذا العدد ذهب إلى التّناقص في نقل آخر؛ حيث روى الكلينيّ المتوفّى سنة: "329هـ" بإسناده عن جابر الجعفي، عن الباقر "ع" قوله: «قُتل الحسين بن علي "ع" وعليه جبة خز دكناء، فوجدوا فيها ثلاثة وستين، من بين ضربة بالسيف، وطعنة بالرمح أو رمية بالسّهم». [الكافي: ج6، ص452]، وهذا يعني أنّ مجموع الضّربات والطّعنات  بالإضافة إلى الرّميات هو: "63".

 

وحينما نلاحظ نقلاً آخر نجد تناقضاً أفحش؛ إذ روى القاضي نعمان المصريّ المتوفّى سنة: "363هـ"، بإسناده عن عليّ بن الحسين المعروف بالسجّاد "ع" قوله: «أصيب الحسين بن علي "ع" وعليه جبة خزّ، حسبنا فيها أربعين جراحة، ما بين ضربة وطعنة». [دعائم الإسلام: ج2، ص154].

 

لكنّ الغرابة والتّناقض والأساطير توغل في العمق حينما نلاحظ ما حدّث به الصّدوق المتوفّى سنة: "381هـ"؛ حيث روى بإسناده عن بريد بن معاوية العجلي، عن الباقر "ع" القول: «أصيب الحسين بن علي "ع" ووجد به ثلاثمائة وبضعاً [بضع‏] وعشرين [عشرون‏] طعنة برمح، أو ضربة بسيف، أو رمية بسهم، فروي أنّها كانت كلّها في مقدمه؛ لأنّه "ع" كان لا يولي». [الأمالي: ص164؛ بحار الأنوار: ج45، ص82].

 

أمّا شيخ الطّائفة الإثني عشريّة الطّوسي المتوفّى سنة: "460هـ" فقد روى بإسناده عن معاذ بن مسلم، عن الصّادق "ع" قوله: «وجد بالحسين بن علي "ع" نيف وسبعون طعنة، ونيف وسبعون ضربة بالسيف "صلوات الله عليه"». [الأمالي: ص677؛ بحار الأنوار: المصدر السّابق نفسه].

 

وحينما وصلنا إلى مرحلة السيّد عليّ بن طاووس المتوفّى سنة: "664هـ" وجدناه قد اختار عدداً وسطيّاً ما بين النّصوص الرّوائيّة أعلاه؛ إذ روى «أنّه وجد في قميصه مائة وبضع عشرة، ما بين رمية وطعنة سهم وضربة». [الّلهوف: ص178].

 

#أقول: هذا هو حال النّصوص الرّوائيّة المرويّة عن السجّاد ونجله الباقر وحفيده الصّادق "ع"  في خصوص عدد الطّعنات والضّربات والرّميات الّتي تعرّض لها جسد الحسين بن عليّ "ع" في أثناء واقعة كربلاء، والمرويّة في أمّهات المصادر الإثني عشريّة وغيرها أيضاً، رغم إغفالنا لعرض تناقضات المصادر الأخرى المنحولة وأضرابها والّتي ناهزت في الشّعر المنبري المعاصر ألفي جراحة، واعتقد أنّ تعارضها وتناقضها بيّنٌ جليٌّ واضحٌ لا يمكن دفعه ورفعه مع الحفاظ على الحجيّة المذهبيّة لجميعها إلّا لمن أغلق عقله وسلّم مفتاح بابه إلى الابتزازيّين المذهبيّن. 

 

 

وعليه: فلا اتردّد في إسقاط جميع النّصوص الآنفة عن الاعتبار والحجيّة والتّصديق أيضاً؛ وذلك لأنّ إحصاء عدد الطّعنات والضّربات والرّميات الّتي تلقّاها "ع" في واقعة كربلاء إنّما هو عمل الطّبّ العدليّ المختصّ، ولم يثبت أنّ أحداً من حضّار هذه الواقعة كان قد امتهن هذه المهنة وكُلّف بها، نعم؛ قد تكون أكثر الرّوايات نظافة ومعقوليّة هي رواية دعائم الإسلام المرويّة عن السجّاد "ع" إن اعتبرت قيمتها الحديثيّة؛ لأنّها مرويّة عن شخص بالغ حضر الواقعة وكشف الطّريقة الّتي تمكّن من خلالها من عمليّة الإحصاء، لكنّ مشكلة رواية دعائم الإسلام ـ بغضّ الطّرف عن قيمتها الرّجاليّة ـ تكمن في كيفيّة قيام السجّاد "ع" بعمليّة الإحصاء الدّقيقة لعدد الجراحات، فهل يُعقل أن يقوم الإنسان المفجوع بوالده هذه الفجيعة المؤلمة بفحص جثمان والده وتقليبه وإحصاء عدد الجراحات وجبّته مغطّاة بالدّماء؟! هذا إذا اخترنا عدم سلبها؛ إذ لو ذهبنا مع من يختار ذلك فالأمر في البطلان أوضح، وبالبيان المتقدّم يتّضح الحال في رواية الكافي؛ إذ مضافاً إلى رفعها رقم الجراحات ومعارضتها الشّديدة مع غيرها فهي تُحيل عمليّة الإحصاء إلى مجهول، ولا ندري كيف وأين حصل ذلك.

 

 

وفي عقيدتي: إنّنا إذا ما أردنا أن نصف النّصوص أعلاه بوصف واقعيّ ودقيق فنقول: هي من أبرز مظاهر وتجليّات الحسين المذهبيّ الّذي وظّف لاحقاً؛ فلا شكّ في تعرّض الحسين الحقيقيّ للطّعن والضّرب واشتمال بدنه الطّاهر على جراحات كثيرة ادّت إلى شهادته المروعّة، لكنّ من يُقدم على إحصائها بهذا الشكل الدّقيق فهو يُقدم على الّلا معقول؛ منطلقاً في ذلك من أهداف مذهبيّة معروفة تقع في سياق آليّات إثبات الإمامة الإلهيّة، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.