ما تجاوزه الرئيس الفرنسي، أو غفل عنه ، أن بداية الحل ونهايته تتمثلان بالتعامل مع أسباب الوضع الشاذ الذي يرزخ البلد تحته، وبالتالي، فإن مبادرته على تحييد الحزب ، شجّعت الحزب على العودة إلى التصعيد. الامر الذي ادى الى غرق المبادرة الفرنسية للغرق في الوحل اللبناني .
 

تبخر الرهان على الفرصة التي كان يمكن أن تُشكلها المبادرة الفرنسية تجاه لبنان. غرق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الوحول اللبنانية، أو بالأحرى اندفع كثيراً إلى حد التسرّع بقياس قدرته على الفعل والتأثير. كل ما سيسعى إليه اليوم هو الخروج بأقل الخسائر الممكنة عبر تدوير الزوايا في مبادرته، تارة بالإشارة إلى أن باريس لا تتدخل في تفاصيل الأسماء والحقائب، وطوراً بأنها لم تشترط المداورة وخروج حقيبة المالية من يد الشيعة .

 

 

ووفقاً للمعلومات اعتبرت مصادر سياسية متابعة للاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة أن عملية تشكيل الحكومة العتيدة انتهت الى الفشل واصبح إعتذار رئيسها المكلف مصطفى اديب عن مهمته محتوما ومسألة وقت فقط بعدما وضع الثنائي الشيعي امامه عقبة الاستئثار بحقيبة وزارة المال كشرط اساسي مسبق لتسهيل عملية التشكيل خلافا لكل التعهدات والوعود المغدقة منهما لتشكيل حكومة انقاذ من اختصاصيين معروفين استناداً للورقة الفرنسية التي تشكل اساس المبادرة الفرنسية .

 

 

وفي المعلومات أن الدوائر الفرنسية تضغط بكل ثقلها من أجل إنجاح تأليف الحكومة، من دون أن يكون واضحاً على حساب مَن ستأتي الضغوطات التي تتطلب تراجعاً في الشروط التي رفعتها الأطراف المؤثرة، وفي مقدمها الثنائي الشيعي ولا سيما حزب الله الذي جاهرت كتلته النيابية بطريقة صارخة بعد اجتماعها أمس بالإعلان عن إننا نرفض بشكل قاطع أن يُسمّي أحد عنا الوزراء الذين ينبغي أن يمثلونا في الحكومة، كما نرفض بشكل قاطع أيضاً أن يضع أحد حظراً على تسلّم المكوّن الذي ننتمي إليه حقيبة وزارية ما، وحقيبة وزارة المالية خصوصاً. وفيما عدا ذلك، فإننا منفتحون على النقاش.

 

 

 مجاهرة تؤكد أن الثنائي الشيعي لا يترك مناسبة أو حدث إلا ويحوّلها إلى فرصة في الشكل والمضمون لتكريس أعراف وترسيخ مكتسبات جرى فرضها من خارج الدستور واتفاق الطائف، متكئاً على فائض قوة السلاح والهيمنة على القرار الداخلي نتيجة اختلال في موازين القوى واتّباع سياسة الترهيب والترغيب . ذلك ان الإصرار على التمسك بحقيبة المال وسط الانهيار والحاجة الى حكومة مهمات ليس كل اللعبة التي تعطل التأليف، ولا السبب، لان لدى امل وحزب الله نوعاً من جنرال مارشال شيعي يملك خطة مالية انقاذية، بل لأن المطلوب ضمان فيتو عبر ما يسمى التوقيع الثالث لتعطيل كل ما لا يعجب الثنائي من القرارات.

 


فضلاً عن ان الصراع على حقيبة المال تعبير عن الصراع على ادارة النظام في المرحلة الحالية، ثم على النظام نفسه في مرحلة لاحقة. وفضلاً ايضاً عن ان الادوار التي تعرقل المبادرة الفرنسية ليست من المفاجآت. اذ حين تدار تسوياتنا وانتخاباتنا الرئاسية وطريقة تأليف حكوماتنا بالادوار الخارجية، فان من الطبيعي ان تكون لحسابات المصالح والصراعات الخارجية ادوار في التسهيل كما في التعطيل.

 

إقرأ أيضا :  لبنان أمام خيارين ألانقاذ أو الانهيار

 

 

واذا كان ما يعرقل تأليف حكومة انقاذية هو العناد، فنحن في ورطة فوق ورطة الازمات الخانقة. واذا كان ما يمنع التأليف هو حسابات جيوسياسية مدروسة من اجل اجندة أوسع، فنحن في ورطة اكبر. وفي الحالين، فان النتيجة العملية الملموسة والمؤسفة والمخيفة هي ما نراه من شحن العصبيات الطائفية والمذهبية، ومن دفع ثمن الفتنة وسط احاديث الحرص على تجنب الوقوع فيها.

 


وكشفت المصادر ان إتصالات على ارفع المستويات جرت بين مبعوث الرئيس الروسي ميخائيل بوغدانوف والمسؤولين الايرانيين تناولت الأوضاع في لبنان وضرورة تدخل الجانب الايراني من خلال حليفه حزب الله لتسهيل وتسريع عملية تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة. 

 

 

  ومع ان المسؤول الروسي لاحظ خلال هذه الاتصالات بمحاولات ايرانية بإدخال الوضع في لبنان ضمن حسابات الصراع الدائر على نطاق واسع بين طهران والولايات المتحدة الأميركية وان تعقيدات تشكيل الحكومة اللبنانية تنطلق من هذا الواقع. 

 


في هذا السياق وليد جنبلاط في تغريدة لافتة، لكنها غير مفاجئة لمن يسبر عمق جوهر الأزمة اللبنانية وأبعادها، كتب سيكتشف أهل الميثاق القديم، والعُرف الجديد، أن لا مال في بيت المال، وأن مرفأ بيروت مات وأن كل صواريخ وراجمات المذهبية، من أي جهة، لن تحمي لبنان. أخشى أن أقول رحمة الله على لبنان الكبير.وهو الذي كان دائما يحذر من لعبة الامم ويسال دائما الى اين . وهكذا، عندما يغرد وليد جنبلاط بنعي الكيان اللبناني، ذلك الكيان الجامع للطوائف والأديان منذ تأسيسه قبل مئة سنة، فإنه يفعل بفضل عصارة تجارب واستيعاب دروس، وخيبات أمل، ورهانات سياسية مكلفة.

 

 

تغريدة وليد جنبلاط هي للدلالة على عمق الازمة التي يمر بها البلد باعتبارها أزمة ذات وجوه متعددة سياسي واقتصادي وأمني وطائفي، الامر الذي ادى الى تدخل دولي علنياً اضطلعت به فرنسا ، وتدخلاً أميركياً غير مباشر عبر الضغوط والتلويح بالعقوبات.

 


غير أن ما ظهر، حتى الان، أن المساعي الفرنسية التي قادها الرئيس إيمانويل ماكرون شخصياً لم تُحقّق النجاح المأمول.

 


ما تجاوزه الرئيس الفرنسي، أو غفل عنه ، أن بداية الحل ونهايته تتمثلان بالتعامل مع أسباب الوضع الشاذ الذي يرزخ البلد تحته،  وبالتالي، فإن مبادرته على تحييد الحزب ، شجّعت الحزب على العودة إلى التصعيد.
الامر الذي ادى الى غرق المبادرة الفرنسية للغرق في الوحل اللبناني .