فشل نادي رؤساء الحكومة السابقين حتى الآن في تمكين الرئيس المكلّف مصطفى اديب من تأليف «حكومة المهمة» كما سمّاها الفرنسيون، لينطبق على واقع الحال الحكومية المقولة الشعبية الموروثة عبر الاجيال: «بس يكترو الطبّاخين بتشوط الطبخة». فهل «شاطت» الطبخة الحكومية فعلاً؟

وثبت بالوقائع، انّ الرئيس المكلّف ليس وحده من يؤلّف، بل انّه ليس هو من يؤلّف، وانما رؤساء الحكومة السابقون الذين سمّوه لهذه المهمة، لا بل انّ البعض يقول انّ التسمية تولّتها «دولة عميقة» في الخارج وتمّ إمرار الاسم الى هؤلاء لتظهيره على انّه «صُنع في لبنان».

 

شيئاً فشيئاً ستنكشف اشياء كثيرة خلف المبادرة الفرنسية، سواء كُتب لها النجاح او فشلت أو أحبطها بعض من يعمل على إحباطها الآن، مستقوياً ببعض الخارج الذي لا يخفي «حربه الناعمة» ضدّها، على رغم رفعه شعار دعمها واعتبارها «الفرصة الاخيرة» أمام لبنان، للخلاص من الانهيار الذي وصل اليه على كل المستويات.


 
 

ويقول البعض، انّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، إذا كان قد وضع كل رصيده خلف مبادرته، طامحاً بشدة لإنجاحها، فإنّه سيتلافى الى اقصى الحدود الوصول الى الخيبة، على رغم ما بدأ يعانيه مع بعض اطراف المنظومة السياسية اللبنانية، فإنّ الجانب الاميركي، الذي اوحى أنّه على تنسيق معه في شأن لبنان، وانّه يدعم هذه المبادرة التي يريد منها ومن اي وسيلة اخرى ان تنال من «حزب الله» مقتلاً، لأنّه يصنّفه «منظمة ارهابية»، لا يضيره إذا فشل ماكرون في مبادرته. وكأنّ الادارة الاميركية تريد ايصال رسالة الى كل المتعاطين مع الأزمة اللبنانية، متدخلين او «سعاة خير»، مفادها ان ليس من أحد قادر على حلّ ازمة لبنان إلّا الولايات المتحدة الاميركية، وأنّ الاوان لهذا الحل تحدّده هي وحدها وليس «القارة العجوز» التي تشكّل فرنسا عمودها الفقري، والساعية الى اعادة تفعيل حضورها ومصالحها التاريخية في لبنان والشرق الاوسط.

 

لكن الفرنسيين يدركون على ما يبدو ما يمكن واشنطن ان توصلهم اليه، ولذلك، وبعد الحديث عن انّ المبادرة الفرنسية انتهت نتيجة عدم تأليف الحكومة خلال مهلة الاسبوعين التي حدّدها ماكرون، سارعوا الى التأكيد للمعنيين بالتأليف، انّ مصير هذه المبادرة ليس مرهوناً او محدّداً بمهلة زمنية، وانّها مستمرة، ليس الى حين تأليف الحكومة، وانما الى حين تمكّن هذه الحكومة من تنفيذ بنودها التي ستكون مضمون بيانها الوزاري.

 

وتشير المواقف السياسية المرافقة للمشاورات والمفاوضات الجارية لتأليف الحكومة، والتي لم ترسُ على برّ معين بعد، الى انّ الافرقاء السياسيين المعنيين بتأليف الحكومة باتوا منقسمين فعلياً بين من يؤيّد المبادرة الفرنسية جدّياً ويريد لها النجاح جدّياً، وبين من يضمر ضمناً لإحباطها، رغم إعلانه تأييدها، لتنطبق عليه في هذه الحال مقولة «لسانه في مدحها ويده في نحرها»... وهي مقولة تنطبق ايضاً على بعض الذين يتمسكون علناً بـ»اتفاق الطائف» وينادون باستكمال تطبيقه منذ ثلاثين عاماً، ولكنهم يعملون سراً على اسقاطه او الدعوة الى تعديله، بالعودة الى الوراء وليس نحو الافضل للمستقبل.

 

وحتى الآن، يرى كثيرون انّ نادي رؤساء الحكومة السابقين الذي يتصدّر المشهد الحكومي، محاولاً تكريس نفسه «مرجعية دائمة» لترشيح رؤساء الحكومات السابقين، متجاهلاً رأي ودور مرجعيات واطراف أخرى ضمن بيئته، لم ينجح بهذه التجربة، لأنّ «سطوته» على الرئيس المكلّف تسهم الى حدّ كبير في فشل الاخير حتى الآن في وضع تشكيلة وزارية بمواصفات وحجم مقبولين لدى الجميع. اذ يبدو الرجل مرتبكاً بين خيارين: الاول، ان يشكّل بمفرده وبحرّية حكومة كاملة المواصفات، من دون الاخذ برأي الكتل النيابية والسياسية، وهو ما يشجعه عليه نادي رؤساء الحكومة السابقين، لكي يكرّس ذلك عرفاً على هامش «اتفاق الطائف» الذي يفرض ان تكون الحكومات، حكومات وفاق وطني، أو حكومات ذات تمثيل سياسي وطائفي متوازن، او حتى «حكومات لون واحد»، في حال نشأت في البلاد «دولة احزاب» الاكثرية فيها تحكم والاقلية تعارض، على غرار كل الديموقراطيات القائمة في العالم.


 
 

أما الخيار الثاني، فهو ان يشكّل اديب حكومة بالتفاهم مع الكتل النيابية، التي لا يمكن ان تمنحها الثقة إن لم تكن ممثلة وزارياً، وذلك الى حين إقرار قانون يفصل وظيفة النيابة عن وظيفة الوزارة، على غرار الفصل القائم في فرنسا التي كانت من وضعت نظام لبنان ايام انتدابها له من العشرينات الى الاربعينات من القرن الماضي.

 

ولكن بين هذين الخيارين المعطوفين على خيارات اخرى وعلى ما يسمعه من آراء من «نصائح» يمرّرها له رؤساء الحكومة السابقون والجهات الفرنسية المعنية، يبدو اديب ضائعاً او عاجزاً عن اتخاذ اي خيار، الامر الذي دفعه، او ربما يدفعه مجدداً الى الاعتذار عن التكليف، وهو كاد يُقدم على هذه الخطوة قبل يومين، لو لم يستدركه الجانب الفرنسي باتصال عاجل دعاه فيه الى صرف النظر عنها والصبر، وطمأنه الى انّ المبادرة الفرنسية ليست محدّدة بمهلة زمنية، ما دلّ الى انّ ولادة الحكومة لن تكون قريبة في حال لم تُذلل عقدة وزارة المال التي يتمسّك الثنائي الشيعي أن تكون من حصته وخارج المداورة المطروحة في توزيع الحقائب الوزارية.

 

وفي هذا الصدد، فإنّ اوساط «الثنائي الشيعي» تتحرّى الاسباب والدوافع التي جعلت الرئيس سعد الحريري يقبل قبل ظهر أمس الاول ببقاء وزارة المال للطائفة الشيعية ثم يتراجع عن موقفه هذا بعد الظهر، فـ «الثنائي» لم يقتنع بقول البعض انّ الرئيس فؤاد السنيورة هو من «مان» على الحريري ليبدّل موقفه، وإنما يربط الامر بإرادات اقليمية ودولية ضاغطة وضعت نصب اعينها إخراجه (أي الثنائي) من سلطة القرار الماضي في اطار انقلاب دبّرته ضدّه وستظهر معالمه في قابل الايام...