أيام قليلة حاسمة تفصل لبنان عن مصير المبادرة الفرنسية او بالأحرى عن مصيره، انقاذا ام سقوطا.
 

تعتقد بعض المصادر ان رفع سقف مطلب الثنائي الشيعي بتشكيل الحكومة على هذا النحو قد دخل عمليا في هذا المنحى الاقليمي بالرغم من محاولات اظهاره تحت مسميات وعناوين تتعلق بالتركيبة الطائفية والمذهبية الداخلية، وهو ماكان يمكن تخطيه بسهولة لو كان كذلك، في حين يلاحظ ان التشدد بالشروط والمطالب هدفه افتعال مشكلة بوجه المبادرة الفرنسية تتجاوز لبنان والهدف فتح باب التفاوض الفرنسي مع الجانب الايراني لاطلاق سراح تشكيل الحكومة اللبنانية،ويبقى تقدير الاثمان التي يرغب الايرانيون بتحصيلها مقابل ذلك . 

 


واشارت المعلومات الى ان خطوط التواصل كانت مفتوحة بين باريس وبيروت لتسهيل مهمة التشكيل التي تعثرت بسبب تصعيد الثنائي الشيعي. هذا التصعيد المفاجئ عزته اوساط سياسية معارضة الى الاجواء الاقليمية ومقتضيات الاجندة الخارجية، لانه لم يعد لايران ساحة تبعث منها رسائلها الى الخارج الا لبنان، في ظل التطورات الاخيرة وتوقيع السلام بين دولة الامارات والبحرين واسرائيل والاعلان عن خطوات اخرى على طريق السلام. وفيما زار الرئيس المكلف مصطفى اديب بعبدا ،اشارت مصادرسياسية الى انه سوف لايقدم تشكيلة حكومته المصغرة القائمة على المداورة الشاملة،استنادا الى ما التزم به رؤساء الكتل امام الرئيس ماكرون. كل المؤشرات تدل على ان التعقيد يطغى على التسهيل وقد انتهت مشاورات اليومين الماضيين، التي  ما كان سيدعو اليها «لولا ادراكه للازمة التي يمكن ان تنتج، اذا استمر الخلاف حول عدد من النقاط المتصلة بتأليف الحكومة ويقع البلد في المحظور ان حصيلة المشاورات لم تحرز تقدما يذكر، اقله حتى اليوم، الذي من الممكن ان يكون مفصليا، على العديد من المستويات.

 


فجأة عادوا إلى لغة المحاصصة واستملاك بعض الوزرات إليهم وإلى نفوذهم وجيوبهم، وبتنا اليوم أمام مطالبات تعود إلى لغة الماضي المتسلط، يحاولون فيها فرض واقع مختلق يذهب إلى وجوب تمليكه وزارة المالية كونها وضعا ميثاقيا أقره مؤتمر الطائف وهو أمر غير صحيح وقد أضيف إلى هذا المطلب ، وجوب أن يتم تسمية الوزراء الشيعة جميعا من قبل الثنائي، الأمر الذي يعيدنا إلى حالة وزارة الرئيس دياب المقالة، حيث تمكن الأخطبوط السياسي المعروف من الإطباق على وزاراتها ومواقعها السياسية جميعا، فبتنا أمام حكومة جاءت إلى الوجود برايات استقلالية وتخصصية، فاذا بها حكومة حزبية بالكامل.

 

إقرأ أيضا :  فرملة حكومية والمبادرة الفرنسية في غرفة الانعاش

 

 

وتشدد مصادر متابعة على أنه طالما لم يعتذر الرئيس أديب، فهذا يعني أن المبادرة الفرنسية ما زالت مستمرة، وإن كانت باريس ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها المصادر، لا يمكن أن توافق على شروط الثنائي الشيعي، فإما أن يقبل الأخير بطبيعة المبادرة القائمة، وإما أن تسحب باريس مبادرتها، وعندها فليتحمل هذا الطرف مسؤولياته في إفشال المسعى الفرنسي، مشيرةً إلى أن الثنائي الشيعي ومن خلال طريقة تعاطيه مع هذه المبادرة، كان يعتقد أن بإمكانه جرّ الفرنسيين إلى المكان الذي يريد. ولذلك ذهب بهذا التشدد، في إطار السعي إلى ما يمكن تسميته بربط نزاع مع مرحلة مقبلة على علاقة مع تعديلات مفترضة على الدستور، من حيث اعتقادهم أن بإمكانهم تثبيت المسألة الاقتصادية منذ الآن، بمعنى أنه إذا تمكنوا من انتزاع وزارة المالية في ظل مبادرة فرنسية، فإنهم سيتمكنون من تحويل موضوع الميثاقية إلى اعتراف دولي، وبالتالي فإن الثنائي الشيعي يعتبر أن معركته الآن لانتزاع غطاء دولي للتوقيع الثالث الذي يطالبون به .

 


 من الواضح أنّ هناك سوء تقدير فرنسياً لمدى إصرار حزب الله، ومن خلفه إيران، على الإمساك بكلّ تفصيل لبناني. ينسحب سوء التقدير هذا على كيفية التعاطي مع إيران. ظهر ذلك جليّاً من خلال المقال الذي كتبه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية. تضمّن المقال انتقادات واضحة للسياسة الفرنسية، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر باعتراض فرنسا على تمديد الأمم المتحدة لقرار منع وصول السلاح إلى إيران... أو التمييز بين الجناحين العسكري والسياسي لحزب لله. لم يتردّد بومبيو بدعوة فرنسا إلى الوقوف مع الحرّية وليس مع طهران. كذلك، لم يتردّد في وصف إيران بأنّها الدولة التي تقود الإرهاب في العالم كما أنّها المصدر الأوّل لعدم الاستقرار في المنطقة. 

 


أيام قليلة حاسمة تفصل لبنان عن مصير المبادرة الفرنسية او بالأحرى عن مصيره، انقاذا ام سقوطا. هي مجرد حقيبة وزارية يصرّ فريق سياسي على ابقائها في عهدته حفاظا على مكتسب التوقيع الثالث للطائفة الشيعية، خلافا للدستور، ورغما عن أنف سائر اللبنانيين. المنازلة الايرانية الفرنسية او في شكل أدقّ، الايرانية الاميركية التي يخوضها في لبنان الثنائي الشيعي في وجه الرئيس المكلف مصطفى اديب ورؤساء الحكومة السابقين وكل من يريد تلقف المبادرة حرصا على المصلحة الوطنية، لا بد الا ان تحسم نتائجها سريعا، فإما ينتصر لبنان او تنتصر سطوة السلاح.

 


ولبنان الذي تضيق فرص الانقاذ امامه على ما تقول الاوساط المراقبة بات اليوم امام خيارين لا ثالث لهما. اما الاستجابة سريعا الى المبادرة الفرنسية والتعاون معها لتشكيل حكومة مهمة تنفيذا لما تم الاتفاق عليه في قصر الصنوبر بين الرئيس الفرنسي والقيادات اللبنانية، تباشر في تنفيذ الاصلاحات بحسب الاولوية المعروفة القضاء والكهرباء والمرفأ والمعابر وسواها، او الذهاب الى الفوضى الامنية وتاليا الحرب الاهلية على ما تؤشر اليه الوقائع شمالا وبقاعا وحتى في جبل لبنان ومداخل العاصمة بيروت واحيائها الحبلى بالمناوشات الليلية التي غالبا ما تسفر عن وقوع قتلى وجرحى، تبقى ذيولها جمرا تحت الرماد قابلا للاشتعال في كل لحظة.