في رأي المتابعين للمبادرة الفرنسية والمِهل التي أُعطيت للاستحقاق الحكومي وحدّدها الرئيس ايمانويل ماكرون، لا يصح الحديث عن تجاوزها. فتمديدها الى اليوم الخميس ليس خطأ. فقد انهى الرئيس المكلّف مصطفى اديب استشاراته يوم اربعاء، وانطلقت ورشة التشكيل بلقاء رئيس الجمهورية ميشال عون يوم خميس، قبل اسبوعين بالتمام. ولكن اخطر ما هو متوقع ان تسقط المبادرة الفرنسية. وعليه ما هي الخيارات المطروحة؟
أياً كان مصير المبادرة الفرنسية بشقّها المتصل بتشكيل الحكومة العتيدة من عدمه، ومن ضمن المهلة المحدّدة، يجب التطلع الى ما بعد هذه المرحلة وقراءتها بهدوء. فهناك كثيرٌ مما يُقال وعلى اكثر من مستوى داخلي وخارجي. فليس من الصعب القول، انّ تقدّم اي من خياري النجاح أو الفشل له تبعاته الحتمية، لأنّ البلاد ستذهب بعد أي منهما في اتجاهين متناقضين تماماً، وعليه من يتحمّل المسؤولية؟

 

تعترف مراجع ديبلوماسية، انّ المبادرة الفرنسية تعيش اللحظات الفاصلة بين خيارين متناقضين، فإما الفشل او النجاح، فلا منطقة رمادية بينهما ولا خيارات وسطية. وعدا عمّا كشفته خريطة المواقف في الساعات القليلة الماضية حيال شكل الحكومة وتوزيع حقائبها من معطيات غير قابلة للنقاش، فإنّ كل التوقعات تشير الى تطورات سلبية عند الحديث عن الفشل في اتمام الاستحقاق الحكومي.


 
 

وعليه، فإنّ التوقف امام نتائج الاستشارات الإضافية التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون بدلاً من الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة مصطفى اديب، بمعزل عن اهميتها في شكلها ومضمونها والهدف منها، فإنّها قادت عن قصد او غير قصد الى انتاج جديد محدود جداً في المواقف، يكاد يُقتصر على رؤية الجميع لحجم الثنائي الشيعي ودوره في ما وصلت اليه البلاد من ازمات، ولا سيما منها الأزمات السياسية والديبلوماسية منها قبل الاقتصادية، لأنّها جاءت نتيجة ما قادت اليه هذه السياسات المدمّرة. فهي بلا شك القت الضوء على تحولات في المواقف تُنبئ بعملية خلط اوراق، لا يُعرف مداها من اليوم، وخصوصاً إن ثبت انّ بعضاً من المواقف كان منسّقاً وبهدف المناورة، للخروج من عنق «المبادرة الفرنسية»، فإنّ العكس لا يُستهان به.

 

وإن اعطى البعض احتمالاً ضئيلاً جداً لوجود «هندسة سياسية» بين حلفاء «الثنائي»، فإنّ الهامش المحدود الذي رسمته المِهل وفق مبادرة ماكرون قلّص من اهميتها ان لم يضع حداً لها. فما بقي امام القيادات السياسية من مِهل لتحديد خياراتها الجدّية والنهائية، لتقول كلمتها الحاسمة في شكل الحكومة وتركيبتها وطريقة توزيع الحقائب، يعطّل مفاعيل هذه الهندسة التي حدّدت شكل الحكومة المصغّرة والمستقلة والحيادية وطريقة توزيع حقائبها، بمعزل عن برنامجها السياسي. فبيانها الوزاري الذي سيحدّد مهماتها رُسم سلفاً بإجماع لبناني مقبول، وهو جاهز في حال تمّت العملية بكل مقوماتها الدستورية.

 

على هذه الخلفيات، قرأت المراجع السياسية والديبلوماسية بكثير من الوضوح خريطة المواقف، من الدور الذي يمكن الثنائي الشيعي ان يقوم به في استنهاض المبادرة الفرنسية او تعطيلها، فتمسّكه وحيداً برفض المداورة، ان شملت وزارة المال ومعها عند استثنائها وشمولها بقية الحقائب السيادية، اعطى هذه الحقيبة منزلة رئاسة الحكومة وربما رئاسة الجمهورية، وفق التوزيع الطائفي للمواقع، واضافها الى رصيد الطائفة الشيعية الى جانب رئاسة مجلس النواب. وهو منطق لا يستقيم في اي شكل من الأشكال. واخطر ما فيه، أنّ الرفض كان شاملاً، فلم يقف احد ممن استشارهم رئيس الجمهورية الى جانب الثنائي في احتكاره وزارة المال وتكريسها الى جانب المواقع المفروزة سلفاً. وان شاطر الثنائي الشيعي آخرون ممن شاركوا في الاستشارات في شأن تسمية الكتل النيابية لوزرائها في الحكومة، باستثناء نواب «المستقبل» وكتلة «الوسط «، شرطاً لإعطائها الثقة، فإنّها دلّت في الوقت عينه الى انّه لم يعد امام اي رئيس حكومة القدرة على إيكال اي حقيبة للشيعة يمكن ان يكون وزيرها مجبراً على التواصل مع الخارج ديبلوماسياً او دفاعياً او في الشؤون الامنية الداخلية.


 
 

ومردّ هذا الحديث عن هذه المعادلة، لا يفرض البحث عنه خارج البيئة الشيعية. فقد قيل، وعلى لسان قادة الثنائي، انّ تمسّكه بوزارة المال يعود الى انّه ليس من بديل منها انّ اقرّ الجميع بحجم وشكل العقوبات الأميركية التي طاولت اقرب القريبين من احد ركيزتيه، الموصوف بالمعتدل والمقبول سياسياً وديبلوماسياً من مختلف الاطراف الدوليين. فلم يخلو صالونه السياسي من كل اشكال التواصل مع الديبلوماسيين والموفدين الاجانب من كل المشارب والأقطار. وعليه، كيف يمكن اعطاء اي من الحقائب السيادية الأخرى كالخارجية او الدفاع والداخلية الى شيعي.

 

وبناءً على ما تقدّم وتأسيساً على هذه المعطيات والمؤشرات، فإنّ اعطاء حقيبة وزارة المال للشيعة، بمعزل عن هوية الوزير العتيد، ستبقى مسألة معلّقة ما لم تجترح الوساطات الداخلية والخارجية مخرجاً فذاً، يبدو انّه مفقود الى اليوم، بفعل وقوع الثنائي بين حصارين داخلي وخارجي. وانّ اعتذار الرئيس المكلّف يقود البلاد الى منزلق خطير. فكل التوقعات تشير الى انّ القضايا المالية وبرامج العقوبات والحوار مع صندوق النقد الدولي، لتحقيق اي انفراج نقدي ومالي محدود، بات معلّقاً على الخيار السياسي الذي ستقوده الحكومة العتيدة كـ «بوابة اجبارية» لفتح الطريق المؤدية الى بداية الحل. وما لم تولد هذه الحكومة المنتظرة في هذه اللحظات الدقيقة، فإنّ كل الخيارات السلبية ستكون مطروحة بقوة، وليس أبعدها على وقع مزيد من العقوبات سوى مزيد من الإنهيار المالي والإقتصادي وربما الأمني، ان أطلّت بوادر الفتنة المذهبية من بين حنايا التصعيد السياسي، وحدّد الثنائي الشيعي العقدة في طريقة تصرّف الرئيس المكلّف، ومن خلفه رؤساء الحكومات السابقين وفي مقدّمهم الرئيس سعد الحريري، حسبما اوحت التسريبات والمواقف الشيعية.