ربما إذا كان الرئيس الفرنسي عازماً على إنقاذ لبنان من الزوال، أن يُفكّر جدّياً بصيغة جديدة لانتدابٍ جديد، وأساطيل بحرية وقوات فرنسية فاعلة، ومُفوّض سامي يستطيع أن يُعلّق دستوراً ( كان قد عُلّق منذ زمن)، ويأمر بتأليف حكومة جديدة، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وانتخاب رئيسٍ للجمهورية، يُحافظ على قسمه بصيانة الدستور، ويحمي الكيان والنظام، ويكون كعُدي بن زياد الإيادي الذي قال في خُطبةٍ له: أقول لكم ما قال العبدُ الصالح لقومه: ما أُريكم إلاّ ما أرى وما أهديكُم إلاّ سبيل الرشاد، فقالوا له: إنّ هذا ليس من قول العبد الصالح، إنّما هو من قول فرعون! فقال: من قالهُ فقد أحسن.
 

مع تفاقم الأزمة اللبنانية التي بلغت أوجها بعد الإنفجار" النووي" في مرفأ بيروت في الرابع من شهر آب الماضي، ممّا استوجب تدخّلاً فرنسيّاً قويّاً ومُباشراً في سبيل إيجاد الحلول المناسبة لهذه الأزمة المتمادية، وتولّى ذلك الرئيس الفرنسي ماكرون بنفسه،فقام بجولاتٍ تفقّدية لأماكن الإنفجار، والتقى بمواطنين مفجوعين، لم يكونوا قد استفاقوا بعد من هول الكارثة، واستمع لأنينهم وشكواهم، وذهب الحنين ببعضهم لأيام الإنتداب الفرنسي الزاهرة مطلع القرن العشرين، وقيامة لبنان الكبير على أيدي الفرنسيّين أنفسهم، وما لبث أن التقى بقادة الأحزاب ورؤساء الكتل السياسية، فوبّخ بعضهم على فسادهم واستهتارهم، وأنذر بعضهم بوجوب المضيّ بصدقٍ وأمانة في ورشة الإصلاح والتغيير المنشودة، كما أسدى النُّصح للبعض الآخر بوجوب الإستجابة السريعة لتأليف حكومة إنقاذية من خارج الوسط السياسي الفاسد، ولم يستثنِ من مبادرته الإنقاذية حزب الله، فاجتمع مع النائب محمد رعد وجهاً لوجه، داعياً إياه لتسهيل عملية الإنقاذ وإنجاحها، واكتملت المبادرة الفرنسية بتكليف السفير مصطفى أديب بتكليف الحكومة العتيدة، في شبه إجماعٍ نيابيٍّ وسياسي، وأعطى الرئيس الفرنسي للرّئيس المكلف مهلة خمسة عشر يوما لتأليف الحكومة.

 

إقرأ أيضا :الرئيس ماكرون يعتدي على الطبقة السياسية، ويحرمها من تأليف الحكومة

 


بالأمس انتهت المُهلة المُعطاة، وطفت على سطح التأليف العراقيل المعتادة، إذ أصرَّ الثنائي الشيعي على منطق المحاصصات وتوزيع المقاعد الوزارية على أقطاب الطبقة السياسية الحاكمة إياها، بفشلها وفسادها وارتهانها، وهنا وقف " حمار" الرئيس ماكرون في " العقبة"، لا انتداب ولا سطوة فرنسية، كما حصل ذات يومٍ من العام ١٩٣٢، عندما قرّر السياسي اللبناني إميل إده مع عددٍ من خصوم بشارة الخوري الموارنة ترشيح الشيخ محمد الجسر ( المسلم) لرئاسة الجمهورية في وجه الخوري، فتأكّد فوز الجسر، عندها قرّر المفوض السامي الفرنسي هنري بوسو تعليق العمل بالدستور، وحلّ مجلس النواب وتأجيل انتخاب رئيس الجمهورية إلى أجلٍ غير مُسمّى، وطلب من شارل دبّاس أن يبقى في منصبه.

 


ربما إذا كان الرئيس الفرنسي عازماً على إنقاذ لبنان من الزوال، أن يُفكّر جدّياً بصيغة جديدة لانتدابٍ جديد، وأساطيل بحرية وقوات فرنسية فاعلة، ومُفوّض سامي يستطيع أن يُعلّق دستوراً ( كان قد عُلّق منذ زمن)، ويأمر بتأليف حكومة جديدة، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وانتخاب رئيسٍ للجمهورية، يُحافظ على قسمه بصيانة الدستور، ويحمي الكيان والنظام، ويكون كعُدي بن زياد الإيادي الذي قال في خُطبةٍ له: أقول لكم ما قال العبدُ الصالح لقومه: ما أُريكم إلاّ ما أرى وما أهديكُم إلاّ سبيل الرشاد، فقالوا له: إنّ هذا ليس من قول العبد الصالح، إنّما هو من قول فرعون! فقال: من قالهُ فقد أحسن.