يُظهر توقيت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على النائب والوزير السابق علي حسن خليل والوزير السابق يوسف فنيانوس، أنّ هذه الخطوة منسّقة مع الفرنسييين، إذ إنّها أتت في منتصف المهلة التي حدّدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للسياسيين في لبنان لتأليف الحكومة، بحسب ما توضح مصادر ديبلوماسية.

 

هذه العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية على فنيانوس وحسن خليل لـ»ضلوعهما في الفساد ودعم «حزب الله»، ستُطاول سياسيين آخرين ضالعين في الفساد ويدعمون «الحزب» الذي تصنّفه واشنطن «منظمة إرهابية»، بحسب ما أكد كلّ من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومساعده لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر.

 

وتشكّل هذه العقوبات رسالة الى الأفرقاء السياسيين في لبنان، بأن لا مجال للدلع بعد الآن في تأليف الحكومة والتنازع على الحصص بعيداً من التركيبة الوزارية الإنقاذية المطلوبة، وتُنبّه الى أنّ هذه الدفعة الأولى فقط من العقوبات ويليها عقوبات أخرى تطاول مسؤولين آخرين، بحسب المصادر الديبلوماسية. وتؤكد أنّ الفرنسيين يتّكلون على العقوبات الأميركية التي تؤدي الى دفع كبير في الاتجاه المطلوب في لبنان، فهي أكثر فاعلية من أي عقوبات فرنسية أو أوروبية.


 
 

كذلك يظهر أنّ العقوبات الأميركية متدرجة، وتبدأ بالصف الثاني من السياسيين، كتهديد وإنذار للصف الأوّل، بحسب ما تشرح المصادر الديبلوماسية نفسها. وبالتالي، إنّ العقوبات المرتقبة ستُطاول أيضاً الصف الثاني من السياسيين، إذ إنّ الأميركيين لا يبدأون باستهداف الصف الأول، بل بالضغوط بالتدرّج صعوداً. هذا السيناريو، إضافةً الى الصمت الفرنسي حتى هذه اللحظة، يُبيّنان أنّ هناك تنسيقاً أميركياً - فرنسياً، وأنّ الفرنسيين يرحبون بهذه الخطوة.

 

كذلك، تبدّد هذه العقوبات التخوّف من ألّا يكون الأميركيون والفرنسيون جَديين في دخولهم على خط الأزمة اللبنانية، الى حد أن يخترقوا جدار الفساد الموجود في لبنان، ويبدو أنّهم جديون أكثر ممّا يعتقد البعض، لأنهم بدأوا بفرض العقوبات على سياسيين صف ثالث وثانٍ، وبالضغط بنحوٍ تراكمي، وليس بفرض عقوبات مرة واحدة فقط وإدارة ظهرهم على طريقة «الضربة الواحدة». وهذا التدبير يشير الى أنّ لديهم نفساً طويلاً، وسيسيرون في طريق طويلة في عملية كسر حائط الفساد في لبنان مهما اصطدموا به ومهما كان قوياً ومتشابكاً.

 

وتؤكد المصادر الديبلوماسية نفسها أن «لا تأثير كبيراً لهذه العقوبات على الشخصين المستهدفين مباشرةً، بل إنها إنذار ورسالة لِمن وما يمثّلان، ولها تأثير لجهة التعامل معهما ولجهة كون العقوبات بداية ستتطور في المستقبل، وتحذير للآخرين المتعاملين مع «الحزب»، أي إنّها مسألة تراكمية». وتأتي هذه العقوبات في نهاية الأسبوع الأول من الأسبوعين - المهلة التي أعطاها الفرنسيون لتأليف الحكومة، للتأثير على مسار التأليف ومواقف الأفرقاء من هذه العملية ووقف نزاع الحصص، والحسم بأنّ هذه اللعبة لم تعد مقبولة، وكتنبيه أميركي - فرنسي للسياسيين اللبنانيين بأننا جديّون، و»لا يُمكن اللعب معنا».

 

إنطلاقاً من ذلك، يحاول الأميركيون الضغط على النظام اللبناني، والتحذير من أنّ اللعبة القديمة لم تعد سارية بعد الآن. وبالتالي، ستبقى العقوبات المرتقبة محصورة في المرحلة المقبلة بالصفين الثالث والثاني من السياسيين، ولن تطاول الصف الأول أو تصل الى رئيس الجمهورية، على سبيل المثال، لأنّ هذا الأمر يعني أنّ اللعبة انتهت ولم يعد هناك مفاوضات، بل بتنا في مرحلة تغيير النظام. لكنّ العمل الأميركي هذا في الساحة اللبنانية، مُحدّد، بحسب ما ترى مصادر مطّلعة على الموقف الأميركي. وتقول إنّ «الانتخابات المبكرة وتغيير النظام في لبنان، ليسا من أهداف الأميركيين، فهم يعملون على تغيير طريقة عمل النظام، لا النظام». وتأتي هذه المقاربة الأميركية والتردد في خوض تغيير النظام في لبنان في هذه المرحلة، إنطلاقاً من الفشل السابق في هذه التجربة، إن كان في العراق أو في أفغانستان، وحتى في إيران، حيث تتحدث غالبية مقرّري السياسة الأميركية عن تغيير طريقة تعامل النظام مع الدول المجاورة وليس عن تغيير النظام في حد ذاته.


 
 

إلّا أنّ هدف الأميركيين الآن، بحسب المصادر المطلعة، هو عدم انهيار لبنان، وليس تغيير النظام اللبناني أو أن يجعلوا لبنان مجدداً سويسرا الشرق، بل إيقاف الانهيار سريعاً، إذ إنّ الإنهيار والفوضى يضرّان بمصالحهم، وهم ينظرون الى التحركات في شمال لبنان بدقة وقلق، إن من خلال «داعش» أو غيره من التنظيمات، إذ يعتبرون أنه عند حصول الانهيار ستُجَرّ اسرائيل الى حرب، في وقت يُجري الأميركيون اتفاقات صلح بين إسرائيل والعرب. وبالتالي، إنّ الانهيار يخَرّب كلّ سياسة الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، وهو يحول دون ترسيم الحدود البحرية التي تسعى الإدارة الأميركية الى إنهائها لكي تتوسّع اسرائيل في التنقيب عن النفط، بحسب المصادر نفسها. أمّا بالنسبة الى فرنسا، فإنه ليس من مصلحتها أن يصبح ملايين اللاجئين من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين في باريس جرّاء انهيار لبنان.

 

لكن بعد غياب أيّ أمل في التعويل على الإرادة الداخلية في الإصلاح، لا يعمل الفرنسيون والأميركيون على أن يتحوّل لبنان بلداً مثل السويد، بل انطلاقاً من الواقعية السياسية يعملون على ملفات معينة تمنع الانهيار، وعلى إجبار هذه الطبقة السياسية على إجراء إصلاحات، مثل حل مشكلة الكهرباء التي تشكّل نصف الدين العام، إذ إنّ توفير الـ3 مليارات دولار، التي تدفعها الدولة سنوياً جرّاء هذه المشكلة، كفيل بمنع الإنهيار.

 

أمّا إعادة تركيب لبنان مجدداً فهي أمر مختلف عن العمل الأميركي الآن، وهي غير واردة، بحسب المصادر المطلعة، لأنّ الذي يهمّ واشنطن في هذه المرحلة هو عدم فقدان السيطرة على الوضع في لبنان مثلما حصل عام 1982، وخرق جدار الفساد لكي يتمكّن لبنان من الصمود.