البازار الذي يجري إقحام مصطفى أديب فيه يُخضع تركيبة الحكومة إلى الأساليب القديمة نفسها، تارة تحت شعارات المداورة في الحقائب، وأخرى تحت إسم الحكومة المنتجة والفاعلة، وثالثة تحت حجّة الميثاقية، في وقت يؤكّد من يعرفون ملابسات تكليف أديب أنّه لا ينوي الأخذ بخطوط حمر تُفرض عليه، سواء بحجّة التمثيل الطائفي، أو بحجّة تسوية واقع إقليمي معيّن، لإدراكه بأنّ الشارع والمجتمع الدولي سيُفنّد الأسماء والحقائب ودلالاتها. وعلى النتيجة، سيتقرّر مستوى الدعم المطلوب لمنع الإنهيار الذي تُقاس مدّته بالأسابيع. وهو دعم سيكون شحيحاً في كلّ الأحوال، لا يتجاوز الـ 3- 4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، هذا إذا عجّلت الحكومة العتيدة في مفاوضاتها معه.
 

مع بدء العد العكسي لإنقضاء مهلة تشكيل الحكومة ، تتوضّح الصورة أكثر وأكثر وتُرسم ملامح المرحلة المقبلة ويظهر جلياً أن الفرنسي أخذ موافقة الأميركي قبل الولوج في طرح أي حل للأزمة اللبنانية.وعليه لا جديد على مستوى تشكيل الحكومة. والمشاورات يكتنفها الجمود على كل المستويات. ولا موعد محدداً لزيارة الرئيس المكلف مصطفى اديب الى قصر بعبدا لعدم التوصل بعد الى صيغة حكومية ولو أولية للتباحث بشأنها.

 


سياسة الإنكار والمكابرة التي تطبع سلوك أهل السلطة تحول دون التوصل الى توافق حول الحكومة وفي هذا السياق لم يكن اللقاء بين رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية إيجابياً. كانت هناك خلافات عديدة. بدأ الخلاف من حجم التشكيلة وامتد إلى تفاصيلها. اعتمد عون اسلوبه المعتاد في أكل رأس الرئيس المكلف، كما فعل من قبل مع حسان دياب. فبدأ حديثه أنه يجب تطبيق القانون وما هو معمول به، قاصداً بذلك أنه قادر على عرقلة تشكيل الحكومة، ورفض أي تشكيلة، ما لم تكن وفق ما يريده وتتطابق مع رؤيته. قال عون في أوساطه إن أديب قد يتعبه في حال لم يحسن التعاطي معه بالسياسة، وأصر على التشبث بمواقفه. ولذلك لا بد من إفهامه بقواعد اللعبة .

 


رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب أمام خيار من إثنين. إما ان يعمل على تأليف حكومته المؤلفة من 14 وزيراً ويذهب بها إلى رئيس الجمهورية يسلّمه إياها منتصف الأسبوع، فإذا قبلها تكون الحكومة قد تشكلت وإذا أبدى ملاحظات عليها يمكن التشاور فيها لحلها قبل إنقضاء الخمسة عشر يوماً أي قبل الثلاثاء المقبل، أما بحال كانت ملاحظاته تريد نسف التشكيلة فيعلن اعتذاره. إنها الفكرة التي يعمل بموجبها الرئيس المكلف. 

 


في المقابل، تكشف المعلومات أن اتصالات عديدة أجريت معه من قبل القوى السياسية بأن عملية تشكيل الحكومات في لبنان لا تحصل بالمكاسرة ولا يمكنه وضع القوى السياسية أمام قبول ما يقدمه أو الإعتذار.

 


لا تزال التعقيدات تتحكم بمسار عملية تشكيل الحكومة. اللعبة واضحة في مثل هذه الظروف. كل طرف يلجأ إلى رفع سقوف مطالبه لتحقيق أكبر كمّ من المكاسب. الطروحات لا تزال متضاربة ومتناقضة. والحسابات السياسية قائمة على حالها. وهناك حروب حول الأثلاث المعطّلة ومن يطلبها. رئيس الجمهورية وفريقه يريدون ثلثاً معطّلاً، حزب الله وحلفاؤه أيضاً يريدون ثلثاً معطّلاً. أما على مقلب رئيس الحكومة ورؤساء الحكومة السابقين الذين سمّوه، فلن يكون بمقدورهم امتلاك ثلث معطّل، لكنهم يعتبرون أنفسهم مالكين لرئيس الحكومة، الذي قد يستقيل عندما تقتضي الحاجة . 

 

إقرأ أيضا :  شكل الحكومة مؤشر لمآل المبادرة الفرنسية

 


هنا دخلت قوى عديدة على خطّ تدوير الزوايا، خصوصاً ان رئيس الجمهورية يصر على توسيع الحكومة من 14 وزيراً إلى 20، كما يطالب بوزارة المال كبديل عن وزارة الخارجية. الأمر الذي أعاد إحياء لعبة المحاصصة والمطالبة بالمكاسب والحقائب. دفع ذلك برئيس مجلس النواب نبيه بري إلى التمسك بوزارة المالية لأنها خاضعة لمعيار الميثاقية والتوقيع الرابع في الجمهورية اللبنانية. وعندما تمسك بري بوزارة المال، عاد التيار الوطني الحرّ للتمسك بالخارجية ووزارة الطاقة، مع استعداده لمقايضة الخارجية بالداخلية.

 


كل ذلك يعني أن لعبة القفز فوق الأسطح عادت بين القوى وكأن شيئاً لم يكن. دفع ذلك بالفرنسيين وتحديداً الفريق المقرب من الرئيس ماكرون والذي يتابع تفاصيل الملف اللبناني، كإيمانويل بون وبرنار إيمييه إلى تحريك إتصالاتهم مع القوى اللبنانية لإنجاز التشكيلة الحكومية أواخر الأسبوع الحالي، وتشير المعلومات إلى أن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي يساعد رئيس الحكومة المكلف في عملية تدوير الزوايا والتفاوض.

 


في المقابل، تؤكد المعلومات أن الإهتمام الفرنسي ينصب على بعض الوزارات الأساسية كوزارة الأشغال، ووزارة الطاقة والإتصالات والعدل، لأن أساس ورقة العمل الفرنسية تركز على ملفات إصلاحية ترتبط بهذه الوزارات، ما يعني أن العين الفرنسية ستبقى مترصدة لكل مشروع في أي وزارة من هذه الوزارات، سواء بما يتعلق بإعادة إعمار المرفأ وتشغيله، او ما سينسحب لاحقاً على المطار الذي سيكون بحاجة إلى عملية إصلاح بالإضافة إلى مراقبته، وذلك سيشمل كل المرافق العامة، في المرحلة اللاحقة وصولاً إلى ضبط الحدود والمعابر أيضاً. هذا كله إلى جانب الإهتمام بملفي الكهرباء والتنقيب عن النفط من خلال وزارة الطاقة، وملف الإصلاح القضائي من خلال وزارة العدل.

 


البازار الذي يجري إقحام مصطفى أديب فيه يُخضع تركيبة الحكومة إلى الأساليب القديمة نفسها، تارة تحت شعارات المداورة في الحقائب، وأخرى تحت إسم الحكومة المنتجة والفاعلة، وثالثة تحت حجّة الميثاقية، في وقت يؤكّد من يعرفون ملابسات تكليف أديب أنّه لا ينوي الأخذ بخطوط حمر تُفرض عليه، سواء بحجّة التمثيل الطائفي، أو بحجّة تسوية واقع إقليمي معيّن، لإدراكه بأنّ الشارع والمجتمع الدولي سيُفنّد الأسماء والحقائب ودلالاتها. وعلى النتيجة، سيتقرّر مستوى الدعم المطلوب لمنع الإنهيار الذي تُقاس مدّته بالأسابيع. وهو دعم سيكون شحيحاً في كلّ الأحوال، لا يتجاوز الـ 3- 4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، هذا إذا عجّلت الحكومة العتيدة في مفاوضاتها معه.