يبدو المشهد الداخلي منقسماً بين خيبة يشعر بها الحراك الشعبي وقوى المعارضة، وبين المناخ السياسي الداخلي، الذي يبدو تفاؤلياً بعد زيارة ماكرون، وهو ما تعكسه جملة خلاصات استنتجت من مجريات «الفيلم الماكروني الطويل» في لبنان:

 

- اولاً، تأكيد مختلف الاوساط السياسية على انّ الحضور الفرنسي بالزخم الذي هو عليه منذ الزيارة الاولى للرئيس ماكرون الى بيروت، هو اعلان فرنسي صريح باستعادة الدور الاساس لفرنسا في لبنان، وتقدّمها كلاعب دولي اساسي، له موقعه ونفوذه وكلمته في اللعبة الداخلية في لبنان، وذلك بعد فترة طويلة من الانكفاء.


 
- ثانياً، ارتياح رئاسي بالغ، لما تسمّيه اوساط قريبة من القصر الجمهوري، لـ»الدور الفرنسي الفاعل، والجدّية الاستثنائية التي اظهرها الرئيس ماكرون، في الدفع بلبنان خارج ازمته الاقتصادية والمالية ومعالجة اسبابها وآثارها، ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون، كان واضحاً في تأكيده على ملاقاة الرئيس ماكرون، وقيادة السفينة في الاتجاه الذي ينقل لبنان إلى الأمان المنشود، وسيتبدّى ذلك سريعاً في تشكيل حكومة جديدة بمستوى المرحلة، وفي مواكبته الحثيثة لمهمّتها الانقاذية والاصلاحية، بالاستفادة من كل التجارب السابقة».

 

ثالثاً، ارتياح بالغ ايضاً، لدى رئيس المجلس النيابي نبيه بري لجهود الرئيس الفرنسي، وانتظار ان تتمظهر نتائج ايجابية، وتقدير كبير لـ»لبنانية ماكرون» وتحسّسه لحجم ازمة لبنان واندفاعته، اكثر بكثير من اللبنانيين انفسهم، لإنقاذه. ومن هنا، فإنّ الكرة في ملعب اللبنانيين لالتقاط فرصة الانقاذ التي اتاحها الرئيس الفرنسي، والاسراع من دون شروط مسبقة في تشكيل حكومة قوية جامعة للكفاءات، ببرنامج انقاذي ورؤية واضحة حول كيفية اعادة اعمار ما تهدّم من بيروت، والشروع في الاصلاحات الضرورية على كل المستويات. وفي موازاة ذلك، فإنّ مجلس النواب، واعتباراً من هذه اللحظة، على جهوزية تامة لمواكبة الحكومة ورفدها بكل ما تطلبه، او تتطلبه مهمتها، من مبادرات وتشريعات تمكّنها من تحقيق هدف الانقاذ.

 

- رابعاً، انّ نتائج زيارة ماكرون، جاءت مخيّبة لآمال الحراك، الذي كان يطمح الى التغيير الكامل. وعلى ما يؤكّد قياديون في الحراك، «فإنّ احدى ابرز النتائج، كانت اعطاء صك براءة للطبقة السياسية، بإيكال مهمّة التغيير الى الطبقة نفسها، وكذلك احباط المطلب الاساس للحراك بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وبالتالي فإنّ قوى الحراك المدني والشعبي، تعتبر انّ اي رهان على تغيير يمكن ان تجريه الطبقة السياسية الحاكمة، هو رهان ساقط وخاسر سلفاً، لا بل اكثر من ذلك، هو سيؤدي الى ابقاء الازمة قائمة في ظلّ الطبقة المتحكمة نفسها، التي تسببت بالأزمة وخراب البلد».

 

- خامساً، انّ نتائج زيارة ماكرون جاءت معاكسة لرغبات وتطلعات قوى المعارضة، وفي مقدَمها «القوات اللبنانية» وحزب الكتائب، ولا سيما في ما خصّ مطلب الانتخابات المبكرة، وكذلك في ما خَص «حزب الله» وسلاحه، وايضاً في ما خصّ حكومة الاختصاصيين المستقلين التي تنادي بها «القوات». فالمعارضة كانت مصرّة على انتخابات مبكرة تحقق التغيير المنشود وتلبّي مطالب ثوار 17 تشرين الاول، وبقدر اكبر كان إصرارها على طرح سلاح «حزب الله» على بساط البحث الآني. وذلك في مقابل إصرار الرئيس الفرنسي على تأجيل الامور الخلافية ومن ضمنها سلاح «الحزب» الى ما بعد التغيير، مع ملاحظة انّ الرئيس ماكرون، وإن كان موقفه سلبياً مما سمّاه الجناح العسكري لـ«حزب الله»، الّا ان موقفه هذا لا ينسجم مع مقاربته الهادئة، والتي كانت اقرب الى الغزل، لِما سمّاه الجناح السياسي للحزب!


 
- سادساً، ان تأكيد الرئيس ماكرون على شراكة الجميع في التغيير والانقاذ واجراء الاصلاحات لا يُحرج بعض القوى، كـ«القوات» التي تدعو الى سلطة بديلة بالكامل، وترفض الشراكة مع هذه السلطة في اي عملية اصلاح او انقاذ، باعتبار أنها بكل مستوياتها هي المسبّب لأزمة لبنان، وصانعة وحامية للفساد بكل ألوانه، بل إنّ تأكيد ماكرون أحرَجَ بعض القوى كتيار «المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، التي شاركت في تسمية الرئيس المكلف مصطفى اديب لتشكيل الحكومة، وفي الوقت نفسه اعلنت عدم مشاركتها في الحكومة الجديدة. وبالتالي، فإنّ تأكيد ماكرون على شراكة الجميع وضع «المستقبل» و»التقدمي»، تحديداً، امام احتمال اعادة النظر في موقفهما، ذلك انّ عدم مشاركتهما ستفسّر على انه موقف في وجه ماكرون، يسير في الاتجاه المعاكس للمسعى الانقاذي الذي يقوده، مع الاشارة هنا الى ليونة أبداها الرئيس سعد الحريري، بحسب ما نقل عنه خلال لقاء قصر الصنوبر مع ماكرون، حيث كان واضحاً في تأكيده على انّ فشل الرئيس المكلف هو فشل له شخصياً، وانّ الاساس لديه هو مصلحة البلد».