يستعد اللبنانيون ليشهدوا الإثنين المقبل على أربع ساعات وربع ساعة من الاستشارات النيابية «الملزمة»، لتسمية من سيشكّل الحكومة. وبكثير من القلق يترقب المراقبون إمكان نجاح التجربة، مخافة أن تتحول «ملغومة» قياساً على شكل المواقف منها. فليس مضموناً انّ من سيكلّف، سيشكّل الحكومة التي يحتاجها لبنان. وعليه، هل يكفي المشهد ليشكل هدية للرئيس الفرنسي الضيف ايمانويل ماكرون قبل ساعات من وصوله الى بيروت؟

 

ليست المرة الأولى التي يطول فيها مخاض ولادة الحكومة العتيدة، فمهما اختلفت الظروف التي رافقت تشكيل حكومات العهد الثلاث حتى اليوم، فإنّ ما كان يجمعها في الشكل والمهل قبل المضمون، هو سَعي غير دستوري الى التأليف قبل التكليف. وقد تكررت التجربة اكثر من مرة عبر تسوية سياسية «مكررة» و»مُستنسخة» عن تلك التي قادت الى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية عقب شغور رئاسي غير مسبوق امتد الى 29 شهراً بالتمام والكمال.

 

ولذلك لم يكن من المستبعد أن يلجأ من عليهم مسؤولية معالجة الأزمة الحكومية الحالية الى الآليّة عينها. ولولا بعض العناصر الإضافية التي تزامنت والمبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس ايمانويل ماكرون في أثناء زيارته لبيروت بعد 48 ساعة على «نكبة 4 آب» لتكررت التجارب السابقة بفصولها كاملة وبالتحالفات المخفية والظاهرة عينها. ولذلك، فإنّ ما قادت اليه المشاورات الدولية والاقليمية التي أجرتها باريس مع العواصم المؤثرة في الملف أجرت بعض التعديلات الشكلية التي لم تُخف عجز اهل السلطة عن مواجهة مسلسل الازمات، وخصوصاً بعدما تناسلت بين مالية واقتصادية وسياسية وحكومية قبل جائحة كورونا وبعدها، الى أن اكتملت صورتها المأسوية بانفجار المرفأ وما خَلّفه من مظاهر النكبة، الى درجة قيل فيها انه لم يعد أمام اللبنانيين، إن انتظروا مأساة جديدة، سوى ان يضربهم «نيزك» بعدما خبروا ما يشبه الكيماوي والنووي من نتاج «العنبر الرقم 12».


 
 

على هذه الخلفيات، يتطلع الديبلوماسيون والسياسيون بقلق الى محطة الاستشارات النيابية المقبلة التي ولدت تحت الضغط، لمجرّد ان أكدت دوائر الإليزيه انّ الرئيس الفرنسي مصمّم على زيارة بيروت للمشاركة في احتفالية رمزية بمئوية دولة لبنان الكبير والمضي في تطبيق خريطة الطريق التي قال بها، بالحد الأدنى من التوافق الاقليمي والدولي ان عرف اللبنانيون كيف يديرون محركاتهم لتنفيذها وسلوك الدروب المؤدية الى باب من أبواب الفرج.

 

ويُصرّ العارفون الغارقون في بحر المفاوضات الجارية بين بيروت وباريس وعواصم مختلفة وما بين المقار الرسمية والحزبية، على ندرتها، على التعبير عن نوع من القلق. فلم يثبت لديهم انّ مَن بيدهم المفاتيح المؤدية من الداخل الى المخارج الممكنة عازمون على استخدامها، فهم لم يروا حتى اليوم بعين واحدة حجم المخاطر المترتّبة على ما حصل، وكلفة تجاوز تداعياتها السلبية والخطيرة التي تهدد الدولة ومؤسساتها وصولاً الى الكيان إن أصَرّ البعض على المضي في الطريق المؤدي الى الإنتحار الجماعي بقرار إفرادي.

 

وبناء على ما تقدّم، تتواصل المساعي التي تقاس حركتها بالساعات من اجل تسهيل التوافق على من يكلّف تشكيل الحكومة الجديدة في الاستشارات النيابية الملزمة التي دعا اليها رئيس الجمهورية 120 نائباً بدلاً من 128 يوم الإثنين المقبل، قبل ساعات قليلة على وصول الرئيس الفرنسي الى لبنان بُغية التعبير عن أولى خطوات حسن النية التي تؤكد انّ الرسالة المدوية التي وجّهتها باريس من منبر وزير خارجيتها جان ايف لودريان في الساعات القليلة الماضية قد لقيت صدى محدوداً قاد الى بعض الخطوات الدستورية التنفيذية التي كان مؤجلة.

 

ولذلك كله، بقيت الحاجة الى التثبّت من قدرة من اتخذ الخطوات الاخيرة على الاستفادة منها للخروج من المأزق قبل ان تتفاقم الازمات وتتوالى تردداتها الخطيرة اقتصادياً ومعيشياً، وربما أمنياً. هذا ان لم تصل درجة الإنحلال الى نوع من العصيان المدني والتمرد على قرارات السلطة. فهي لم تسقط أي ملف من لائحة الملفات المعقدة، ولم تخفف من آثارها على المواطن فجعلته عرضة لخيارات لم يتمنّ أن تحصل يوماً.


 
 

على كل حال، ليس من المضمون انّ الحراك الذي شهده وسيشهده «بيت الوسط» على مستوى الرباعي من رؤساء الحكومات السابقين، ومعهم من يوافقهم الرأي في دار الفتوى، سيُفضي الى تسمية شخصية لتشكيل الحكومة العتيدة، ذلك أنّ ايّاً من رجالاته الاربعة لم يُبد استعداداً للتعاون مع رئيس الجمهورية ورئيس التيار الذي قاده الى قصر بعبدا، ما لم تطلق له اليد في عملية التأليف في شكلها ومضمونها ووفق قواعد جديدة لم يألفها رئيس الجمهورية ولا أي من حلفائه في الضاحية الجنوبية بعد التمايز الذي عبّرت عنه مواقع أخرى.

 

ومردّ هذه الصعوبة يكمن في حجم الشروط التي لم يعد امام تجمّع رؤساء الحكومات السابقين إلّا اللجوء اليها على خلفية ما أصاب السرايا الحكومية من حال «عُزلة» في وجود الرئيس حسان دياب فيها - على حد قول أحدهم - وهو الذي أضاف: «لم يحافظ يوماً على هيبة الموقع وصلاحياته، ولم ينجح في تسمية مَن أعاق مهمته وجَمّد نشاطه ومنعه من تنفيذ وعوده وصولاً الى منعه من زيارة العنبر الرقم 12 للوقوف على ما فيه من بذور النكبة التي حَلّت بالعاصمة ودفعته الى الإستقالة «المهينة»، وخصوصاً انه ليس المسؤول الوحيد عمّا جرى، لا بل لأنه الحلقة الاضعف في المواقع الدستورية التي يمكن التضحية بها أيّاً كانت الكلفة.

 

وعليه، لا يخفي أحد أركان الرباعية الحكومية قلقه من حجم الجهود المطلوبة لاستعادة موقع السرايا الحكومية بعدما وضعته الدول الخليجية وبعض من نظيراتها العربية والغربية في سلة واحدة مع الضاحية الجنوبية وقصر بعبدا، فتعزّز الخناق على لبنان بكل أشكاله الى أن جاءت النكبة لتفكّه جزئياً.

 

وبناء على كل ما تقدم، لا يرى المراقبون انّ من ستسّميه استشارات الإثنين المقبل سيكون قادراً على تشكيل الحكومة ما لم تنقلب الصورة في الايام الفاصلة عنها لتجنّب تَحوّلها «استشارات ملغومة». وهو ما سيعبّر عنه موقف رؤساء الحكومات السابقين المتماهي مع المجتمع الدولي في رفض تبنّي فشل الآخرين. فبات واضحاً انّ من لا يحظى بغطائهم ورعاية دار الفتوى لن يكون في موقعه محصّناً، وهو ما يفرض على المعاندين، وهم كثر، الرضوخ لهذه المعادلة الجديدة. وهو أمر ليس من السهل البَت به من اليوم ليكون ولو «هدية متواضعة» يرغب أهل السلطة بتقديمها للرئيس الفرنسي الضيف. ولذلك، فإنّ الساعات المقبلة ربما نقلت شيئاً ممّا يوحي بفرج قريب على رغم كل المصاعب التي تعوق مثل هذا السيناريو.