لا شك في انّ الدعوة الى انتخابات نيابية فرعية تعتبر خطوة ذكية للسلطة الحاكمة لتحييد الضوء عن فشلها في الاصلاح ولتحييد الثوار عن منصة الهجوم الاعلامية المستمرة ضد إنجازات السلطة وإهمالها وفسادها، خصوصاً بعد «الانفجار النووي التاريخي» في مرفأ بيروت.
هذا بالنسبة الى الانتخابات الفرعية لملء المقاعد النيابية المعارضة والمستقيلة، أمّا بالنسبة الى دعوة هؤلاء النواب وغيرهم من الاحزاب او المجتمع المدني الى انتخابات نيابية مبكرة تؤسّس لمجلس عصري شبابي يشرّع القوانين ويسنّها ويحاسب ويتماشى مع مطالب الثوار، فيبدو أنّ عراقيل عدة تواجهه، لا سيما منها السياسية، في وقت أصبح هذا المطلب من أولويات خطاباتهم ومطالبهم. والسؤال: هل يستطيع هؤلاء الثوار بمساندة النواب المستقيلين مع الدعم الخارجي الوصول إلى مبتغاهم أم ستبقى الهتافات على ورق وعبر أثير الفضائيات؟ وبالتالي ما هي أبرز العوائق التي تحول دون إجراء تلك الانتخابات النيابية المبكرة؟

 

بعد إطاحة حكومة حسان دياب أعلن الرئيس نبيه بري صراحة عن «مؤامرة» تحيكها الحكومة ضد المجلس النيابي، وذلك في إشارة الى انّ مطلب دياب اعتُبر بمثابة مؤامرة تُحاك ضد المجلس للاطاحة به، فاستبق بري مهدداً بمحاسبة الحكومة التي استقالت فوراً من دون ان تواجه المساءلة والمحاسبة.


 
 

بعد استقالة الحكومة سارَع بري الى طرح قانون انتخابي جديد على أساس لبنان دائرة واحدة، الأمر الكفيل بخلق تصادم سياسي بين الافرقاء الموالين والمعارضين لهذا الطرح، وهذا ما أوضحه صراحة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في مؤتمره الصحافي من خلال إصراره على انتخابات نيابية مبكرة موثّقة باقتراح قانون معجّل مكرر وقّعته كتلة «الجمهورية القوية» على أساس القانون الحالي.

 

أمام هذه الوقائع يتساءل المراقبون عن الهدف من دعوة بري الى قانون انتخابي جديد، ومن إصرار جعجع على انتخابات نيابية مبكرة على اساس القانون الحالي! والاستنتاج البديهي يقول إنّ الطرحين سيشكلان عائقاً اساسياً للاطاحة بتلك الانتخابات المبكرة برمّتها، سواء وفق القانون الحالي أو على أساس قانون جديد.

 

في السياق، تتساءل مصادر مطلعة عن إمكانية ان تتقدم كتلة «التنمية والتحرير»، رداً على اقتراح القانون الذي تقدمت به كتلة «الجمهورية القوية»، باقتراح قانون جديد للانتخابات النيابية على اساس الدائرة الواحدة للاطاحة بالقانون الحالي. وتتساءل تلك المصادر عن فرضية حصول هذا الاقتراح على تصويت الاكثرية النيابية في المجلس، خصوصاً بعد استقالة عدد لا بأس به من النواب المعارضين.

 

«القوات» تستبعد

 

مصادر «القوات اللبنانية» تستبعد هذه الفرضية، كذلك تستبعد إمكانية إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية بأكثرية المجلس النيابي، موضِحة انّ هذا القانون سيكون في حاجة الى الميثاقية التي لن تتوافر بحسب تقديرها، لأنّ الاطراف المسيحية ستعترض عليه، وخصوصاً «التيار الوطني الحر».

 

وتوضح المصادر نفسها أنّ «القوات» تدرك في الوقت نفسه أنّ كل شيء وارد، وهي تأخذ في الاعتبار كل الاحتمالات وتدرسها، خصوصاً انّ بري كان له رَدّين مهمّين في هذا الصَدد، الأول كان على «القوات» في قصة انتخابات نيابية على أساس لبنان الدائرة الواحدة، والثاني كان موجّهاً للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في مسألة الحياد من خلال طرحه وجوب قيام الدولة المدنية.

 

أمّا في حال تقدمت كتلة «التنمية والتحرير» باقتراح قانون انتخابي جديد على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة، فتوضح مصادر «القوات» انّ قانون الانتخاب ليس قانوناً أكثرياً على اساس عددي بل هو قانون بطبيعة ميثاقية وليس مسألة أكثرية نيابية. والدليل الى ذلك انّ القانون الارثوذكسي لم يمر في المجلس بسبب رفض درزي وسني أسقطه ميثاقياً ولم يتم إسقاطه عددياً، لافتة الى مواقف الراعي التصعيدية أخيراً في موضوع الميثاقية والحياد والفساد. لذلك، ترى المصادر في ظل المرحلة الحالية أنّ مسألة ميثاقية من هذا النوع لن تمرّ.

 

ماذا عن «التيار»؟

 

البعض يتحدث عن احتمال مراجعة رئيس «التيار الوطني الحر» الذي يملك الاكثرية النيابية المسيحية عن تأييده لبقاء القانون الحالي بسبب تراجع التيار مسيحياً. لكنّ المراقبين يستبعدون هذا الاحتمال بالإشارة الى انّ التيار لا يتحمّل تبعات تغطيته لقانون جديد امام المسيحيين، فيظهر كأنه تخلّى عن الانجاز الوحيد الذي صنعه العهد وهو قانون الانتخاب الحالي، كما لا يمكن لـ«التيار الوطني الحر»، الذي بنى شعبيته في السنوات الاخيرة على المزايدة مسيحياً، أن يسمح لأحد بالذهاب الى قانون انتخاب يطيح بكل شيء اسمه توازن مسيحي - سياسي.

 

في المقابل، تتخوّف مصادر «القوات» من عنصر أساسي يجب أخذه في الاعتبار، وهو «الحالة العونية المتراجعة» في رأيها، وربما يتطلب هذا التراجع من التيار الذهاب الى قانون انتخابات يمكّن الرافعة الاسلامية التعويض عن الخسارة مسيحيّاً، ولذلك في رأي هذه المصادر قد يكون احتمال التغيير قائماً. لكنّ المصادر نفسها تستبعد هذا الامر نظراً الى «حساسية باسيل المسيحية التي لن تسمح له بذلك».


 
 

وتلفت مصادر «القوات» الى أنه وعلى المستوى المسيحي هناك كتلتان تمثّلان الوجدان المسيحي اليوم، «القوات» و«التيار الوطني» خصوصاً بعد استقالة نواب حزب الكتائب، وبالنسبة إليهما فإنّ لقانون الانتخابات أبعاداً كثيرة إذ انه شكّل منذ الـ 1992 استهدافاً مُبرمجاً للمسيحيين واستُكمل بعد عام 2005، ولأول مرة تم تصحيحه عام 2018. ولذلك توضح «القوات» موقفها من التعديل بالتأكيد انّ اي طرف سياسي يريد طرح قانون انتخاب هو تلقائياً يريد القول انه لا يريد الانتخابات النيابية المبكرة، وتلفت الى انه يجب عدم نسيان مشقّة وصولنا الى القانون الحالي الذي كلّفنا وقتاً طويلاً وانقسامات واجتماعات ومواجهات استمرت 10 سنوات حتى توصّلنا إليه. وبالتالي، كل من يحاول اليوم طرح تغيير القانون هو عملياً يريد الاطاحة بالانتخابات النيابية المبكرة ولا يريدها، ومجرد فتح باب النقاش في موضوع قانون الانتخاب يعني استمرار المراوحة الزمنية الى ما لا نهاية، وبالتالي يتعطّل تلقائياً طرح الانتخابات المبكرة.

 

ولذلك ترى مصادر «القوات» انّ البعض يتقصّد ذلك تماماً، مثلما حصل بعدما طرح الراعي الحياد، فانبرى البعض في المقابل الى طرح الذهاب الى الدولة المدنية.

 

وتشير المصادر نفسها الى انه لا يمكن لأحد اليوم اللعب بالتوازنات في البلد، وخصوصاً في ظل انهيار الوطن والتوتر والغليان، كذلك لا يمكن المزاح مع المسيحيين واستهدافهم في هذه اللحظة بالذات وكأنهم يستعيدون الوصاية السورية. وكذلك تشير الى استنفار البطريرك المُلفت في هذه المرحلة، وتحذّر من أنه في حال أصَرّ البعض على تعديل القانون «سيكون لـ«القوات» كلام آخر، لأنّ المسألة بالنسبة إليها لا يمكن ان تمر مرور الكرام، لأنّ القانون الحالي أنتَج توازناً للمرة الاولى منذ عام 1992، ولذلك لن تتساهل مع كل من يحاول الاطاحة بهذا التوازن من اجل ان تتحكّم فئة من اللبنانيين بمصير جميع اللبنانيين عن طريق الديموقراطية العددية التي يسعون اليها. وبالتالي، تقول المصادر نفسها، «انّ الإطاحة بالقانون الحالي هي بالنسبة لـ«القوات» معركة ما بعدها معركة»، موضحة: «إذا أرادوا تلك المعركة فسيكون لبكركي و«القوات» وغيرهما كلام آخر، و«ما تجَرّبونا».

 

التيار: لقيام الدولة المدنية

 

بالنسبة للانتخابات النيابية المبكرة واذا ما حصلت، وبحسب مصادر «التيار الوطني الحر»، فإنه يؤيّدها وفق القانون الحالي ‏فقط.

 

أما بالنسبة الى طرح البعض تعديل قانون الانتخاب على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة، فتوضح مصادر «التيار» أنه «في إطار النظام الطائفي المعمول به لن يقبل بأيّ تعديل للقانون الّا بما يعزّز التمثيل المسيحي اكثر وليس العكس»، مضيفة «أنّ التيار يذهب في اتجاه النسبية ضمن دوائر كبرى فقط من ضمن إقرار الاصلاحات الدستورية الأساسية التي نَصّ عليها «اتفاق الطائف»، وأبرزها إقرار اللامركزية الإدارية وإنشاء مجلس الشيوخ».

 

في السياق، ترفض المصادر نفسها ما يروّج عن «التيار» والقول إنه سيوافق على تعديل القانون الحالي على أساس لبنان دائرة واحدة،‏ وذلك بسبب تراجعه مسيحياً أو طمعاً بالرافعة الإسلامية»... وتعلّق على تلك التقديرات بالقول: «ليس لدينا شعور بالضعف مُطلقاً فنحن تهمّنا الشراكة الحقيقية المتوازنة في لبنان، ولذلك يؤيّد «التيار» أيّ قانون يعزّز تمثيل المسيحيين ومشاركتهم في السلطة وتثبيت ‏حضورهم الفاعل في الدولة ‏للحفاظ على لبنان المتنوّع والمتوازن، بغضّ النظر عمّن ‏تكون له الاكثرية من المسيحيين». وتؤكد المصادر «أنّ التيار ذاهب بكل جدية نحو طرح تطوير النظام لقيام دولة مدنية عصرية بكل مندرجاتها».