أيّ منبر لا يذهب صوب قراءة وفحص وتمحيص وتدقيق الأساسات الواقعيّة الّتي حرّكت الحسين بن عليّ "ع" للخروج من المدينة ومن ثمّ مكّة ومنها إلى العراق فهو منبر مذهبيّ مجترّ فاشل عاطفّي لا يستحقّ صرف وقت لمتابعته؛ فالحسين "ع" خرج بسبب رسائل أهل الكوفة ومبايعتهم له على الخلافة، وكلّ ما يُسوّق لغير ذلك من نصوص إنّما هو من نحت الأدلّة ما بعد الوقوع لا غير حتّى وإن صحّ إسنادها عن الّلاحقين للحظة المعركة عندهم.

 

 البحث الصّحيح في أحداث كربلاء!!

 

ثمّة وقائع تاريخيّة مفصليّة متّفق عليها في حركة الحسين بن عليّ "ع"، بدءاً من خلفيّات خروجه من مدينة جدّه وانتهاءً بمقتله المأساوي في كربلاء، مع إغماض الطّرف عن وقوعنا في شراك النّصوص الرّوائيّة وأسانيدها واعتبار الكتب الواردة فيها؛ إذ لا ينكر أحدٌ إنّ الحسين بن عليّ "ع" قد خرج من المدينة إلى مكّة ومنها إلى العراق، ولا ينكر أحدٌ إنّه أرسل ابن عمّه مسلم بن عقيل ليطلعه على مجريات الأمور هناك، كما لم ينفِ أحدٌ إنّه رجّح العودة إلى المدينة بعد معرفته بمقتل مسلم وغدر أهل الكوفة به، ولا ينفي أحدٌ مرافقة جيش الحرّ له حتّى وصوله إلى أرض كربلاء...إلخ من أحداث متّفق عليها.

 

 

وعلى هذا الأساس: فحينما نعثر على نصوص روائيّة متأخّرة زماناً عن الحدث وتقدّم أخباراً لا تتّفق مع طبيعة هذه الأحداث الجزميّة، ولا يوجد فيها اتّصال سندي طبيعي إلّا بعد ضمّ كبرى الإمامة الإلهيّة الإثني عشريّة، فلا يمكن لنا حينذاك أن نقبل بمثل هذه النّصوص بالمرّة، بل نعدّها من نحت الأدلّة ما بعد الوقوع حتّى وإن صحّ أسنادها عندهم، فتنبّه لهذا المطلب جيّداً لتعرف كم هي النّصوص والوقائع والأحداث الّتي ستسقط عن الاعتبار رأساً وفقاً لمنهجنا المختار رغم صحّة أسانيد بعضها عندهم، وعلى من يريد الحجاج أن يلتفت إلى ذلك بعناية ودقّة دون تشريق أو تغريب، وسنعمد قريباً إلى ذكر شواهد نعدّها جريئة جدّاً كتطبيقات لمنهجنا فترقّب، والله من وراء القصد.