وإيانا أن نجعل من تلك الذكرى منصة لبث خطاب الكراهية والحقد والتفرقة في عقول وقلوب الناس.وإن المسلم ليس بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحشَ البذيء. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا،وآمنا بالقضاء والقدر.
 

 

ما كانَ الإمامُ الحسينُ سنيّاً ولا شيعيّاً،وإنّما كان حنيفاً مسلماً ببُعْدِه الإنساني ومُعلِّماً مناضلاً،حاملاً رايةَ الإصلاح في أمةِ جدِّهِ،آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر،وما تحركه هذا إلاَّ امتدادٌ طبيعيٌّ للخط الإصلاحيِّ لجدّه ولأبيه ولآل بيت

 

النبوة،ومسألة خروجِه من مكةَ الى الكوفةَ لم تكن للتَّسَنّن ولا للتَّشَيُّع،بل ليُواجِهَ البدعةَ التاريخيةَ المتمثّلةَ في توريث الحكم والسلطة،ساعياً إلى انتظام بناء الدولة الحديثة بإمامٍ عادلٍ مستوفٍ لكافة شروط البيعة والإمامة،ولكن وَوَا أسفاه

فكان الردُّ الإجراميُّ السلطوي بارتكاب تلك المجزرة بحق أطهر بيوتات الأمة وبأهل بيت النبوة والعترة. 

ثار الإمامُ لقضيةٍ آمن بها وفداها بدمه وبأغلى ما يملك،ولم يخرج أشِراً ولا بطَراً ولا مفسداً ولا ظالماً ولا راغباً في سفك الدماء،وهو الذي رأى والدَه يزهد في قتل الخوارج الذين كفَّرُوه،وشاهدَ أخاهُ يمدُّ يدَه للصلح مع معاوية وهو يُردد

كلامَ معدنِ النبوةِ في آذان الأمة: الحمد لله الذي هدى بنا أولَكم،وحقنَ بنا دماءَ آخِرِكم. 

بل وقف في وجه الحاكم المستبد رافضاً بيعتَه قائلاً: مثلي لا يُبايِعُ مثلَه،رافعاً صوته الجهور:  هيهات منّا الذِّلة،لأنّّ ثورته تُناصر المظلومَ على ظالمه،ومن هنا استمدت ثورته شرعيتها. 

فالإمام الحسين تَصدُق فيه الآيةُ الكريمةُ( لقد كان في قَصَصِهم عِبرَةٌ لأُولِي الألباب).فلم يغضبْ لنفسه ولا نصرةً لمذهبٍ ولا طلباً لمنصبٍ أو بغيةَ الوصولِ إلى السلطة السياسيةِ أو جمعِ المال والترف  بل اندفاعاتُه دفاعاً عن العدلِ

والمساواة والحرية ودولة الشورى،ورفضاً  لتقويض صيغةِ الحكم،على أن يكون الأمرُ للأمة  لتختارَ  مَن تَراه عبرَ المشورة والرضا بلا إكراهٍ ولا استبداد،وذلك من باب المسؤولية الأخلاقية والأمن الروحي. 

فمجزرةُ كربلاء أصابَت المجتمعَ الإسلاميَّ والإنسانيَّ في رأسِه وقلبه،ومأساةٌ أسسَت لبداياتِ تاريخِ الظلم والاستبداد داخلَ المجتمعاتِ العربية. 

هذه الفاجعة ما هي إلاّ دعوةٌ للتَّجَدُد  وإلى ضرورة الإنتقال من الفقه المذهبي والعشائرية الدينية إلى رحاب القيم الكونية. 

وآن الأوان إلى حوار مسكوني شيعي- سني في سبيل تحقيق الوحدة حول معالم الإمام الحسين والتركيز على جوهر الحدث والابتعاد عن مكامن الصراع والتّصدّع والتفسّخ والتنابز بالألقاب. 

 

ويقيناً فإن اللسان والأبجديةَ وبطونَ قواميس اللغة تعجز في التعبير عن فاجعة الفواجع في مشرحة كربلاء والتي هي وصمة عار في تاريخ القاتل والمحرِّض والآمر،ولعنة الله عليهم تلحقهم في جهنم وإلى يوم القيامة. 

فالأمة الإسلامية والإنسانية تعيش اليومَ لوعةَ ذكرى كربلاء الألم بروحها وحركتها وفكرها وفلسفتها ورسالتها وعقلها،حيث مسيرة الإمام الحسين عليه السلام ما هي إلا المسارَ المنطقي نحوَ التحرر والحرية والمساواة والعدالة

الاجتماعية وحقوق الإنسان ومعاني الشرف والتضحية والبطولة والفداء على خطا السيد المسيح عليه السلام. 

بل إنَّ خروجه كان بمثابة الحركة التصحيحية لمسيرة الأمة والنهضة العالمية ولاجتثاث كل أشكال التمييز العنصري والعنف والفتن النتنة. 

وختاماً فعلى المسلمين سنةً وشيعةً تقديمَ الإمام الحسين رمزاً للتعايش السلمي وللوحدة الإسلامية،وخصوصاً وإنَّ كافة المسلمين يلتقُونَ عليه ويتحلَّقَون حولَ قضيَتَه بالإجماع.

وإيانا أن نجعل من تلك الذكرى منصة لبث خطاب الكراهية والحقد والتفرقة في عقول وقلوب الناس.وإن المسلم ليس بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحشَ البذيء. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا،وآمنا بالقضاء والقدر. 

 

فسلامٌ على الإمام الحسين يومَ وُلِدَ وحين استُشَهَدَ ويوم يُبعثُ حيّا.