اللبنانيون كانوا وما زالوا يأملون بأن يخجل المسؤولون الذين تقاعسوا عن نزع اللغم النووي في مرفأ بيروت قبل انفجاره، فيتقدموا باستقالاتهم ووضع أنفسهم رهن التحقيق والمحاسبة، لينال كلّ مُقصّرٍ أو مُهملٍ أو متواطئٍ أو مُشاركٍ في جريمة وسط مدينة بيروت عقابه الذي يستحق.
 

الغربان الذين " يحتلون" القصور في بعبدا والسراي الحكومي وعين التينة، والذين وصف كبيرهم النائب بيار ابي عاصي بغول الموت، ما زالوا يمكرون ويتشاورون ويستهزئون بالمواطنين، ويجتمعون للتباحث في اقتسام المناصب وتوزيع المغانم واقتناص الحصص، والحدب على مواقع نفوذهم في الدولة المتهالكة، وكأنّ انفجار الرابع من شهر آب الحالي ونيرانه كانت برداً وسلاماً على اللبنانيين المنكوبين والمفجوعين والمذهولين والمصدومين، وأنّ هؤلاء الحُكّام الفاسدين ما زالوا يستطيعون التّحكم برقاب العباد، وخرق الدستور، وعدم إجراء الإستشارات النيابية المُلزمة لتسمية رئيس الحكومة العتيدة، واللبنانيون الذين كانوا وما زالوا يأملون بأن يخجل المسؤولون الذين تقاعسوا عن نزع اللغم النووي في مرفأ بيروت قبل انفجاره، فيتقدموا باستقالاتهم ووضع أنفسهم رهن التحقيق والمحاسبة، لينال كلّ مُقصّرٍ أو مُهملٍ أو متواطئٍ أو مُشاركٍ في جريمة وسط مدينة بيروت عقابه الذي  يستحقّ، إذ بهؤلاء اللبنانيين الصابرين يتفاجأون اليوم بتنادي المسؤولين عن الإنهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي،  لتشكيل الحكومة العتيدة وفق مصالحهم،  وأمانيّهم بعد خراب البيوت والهيكل، والوقوف على الأطلال،  ليصحّ فيهم ما قاله ذات يومٍ أمير الشعراء أحمد شوقي قبل قرنٍ من الزمن عن ملك الغربان الذي تقاعس عن إصلاح الخلل في مملكته، فانهار العرش العظيم والمملكة، ولتعميم الفائدة واستخلاص العِبر، نرانا اليوم مدفوعين لترداد أبيات الراحل الشاعر أحمد شوقي:

 

إقرأ أيضا :  بعد لا عِلم لي و ما خلّونا أضاف الرئيس دياب قالوا له

 

 

كان للغربان في العصر مليك

 

وله في النخلة الكبرى أريك

 

فيه كرسيٌّ وخدرٌ ومهود 

 

لصغار المُلك أصحاب العهود

 

جاءه يوماً نُدور الخادمُ

 

وهو في الباب الأمينُ الحازمُ

 

قال يا فرع الملوك الصالحين

 

أنت ما زلت تحبُّ الناصحين

 

سوسةٌ كانت على القصر تدور

 

جازت القصر ودبّت في الجذور

 

فابعث الغربان في إهلاكها 

 

قبل أن نهلك في أشراكها

 

ضحك السلطان من هذا المقال 

 

ثمّ أدنى خادم الخير وقال

 

أنا ربُّ الشوكة الضافي الجناح

 

أنا ذو المنقار غلّابُ الرياح

 

أنا لا أنظر في هذي الأمور

 

أنا لا أُبصرُ تحتي يا ندور

 

ثمّ لمّا كان عامٌ بعد عام 

 

قام بين الريح والنخل خصام

 

وإذا النخلة أقوى جذعها 

 

فبدا للرّيح سهلاً قلعُها

 

فهوت للأرض كالتّلّ الكبير

 

وهوى الديوانُ وانقضّ السرير

 

فدها السلطانَ ذا الخطبُ المهول

 

ودعا خادمه الغالي يقول

 

يا ندور الخير أسعف بالصّياح

 

ما ترى ما فعلت فينا الرياح

 

قال يا مولاي لا تسأل ندور

 

أنا لا أنظر في هذي الأمور.