تلملم بيروت اليوم جروحها، وتبقى الخسائر البشرية أقسى ما خلّفته هذه الكارثة، من فقدان أحبّة وشبان وأطفال، جرح مفتوح سيبقى في قلوبنا وذاكرتنا.

 

وكما الحياة استمرارية، غداً يوم آخر، لتثبت بيروت انّها المدينة التي لا تموت والقادرة على النهوض والحياة مجدداً، ولكن كيف سنبني هذا الغد؟ وكيف سنكون منتجين ونحوّل بيروت ومرفأها مركزاً متطوراً يشكّل صلة وصل حقيقية ويتحوّل شرياناً انمائياً حقيقياً؟


 
 

هل سنستعيد الطرق نفسها والعقلية نفسها في ادارة مرفئنا وطرق استيرادنا وتصديرنا؟ هل سنستعيد التجربة الفاشلة التي كانت موجودة والتي كبّدت الدولة والاقتصاد خسائر لا تُحصى ولا تُعدّ؟ وهل سنتعلّم شيئاً من مصائبنا المتكرّرة؟

 

كان مطلبنا الرئيسي ولا يزال تطوير عمل المرفأ والانتقال الى مرفأ تنافسي، حيث ومما لا شك فيه، انّ المرفأ تحوّل في السنوات الماضية مساحة للتخزين أكثر منه مرفأ فاعلاً يعتمد وسائل متطورة وحديثة، وما كانت محاولة ردم الحوض الرابع الاّ جزءاً من هذه السياسة، التي تسعى الى كسب المال من خلال التخزين والترانزيت. الكل اصبح مقتنعاً بأنّ الروتين الاداري والتركيز على تفسير الصلاحيات غبّ الطلب اغتالت مرفأ بيروت! وانا خائف اليوم ان تمتد يد الإهمال الى كل ما تبقّى من حركة المرفأ. فكل ما يتمّ تخليصه اليوم مشحون قبل الانفجار، وبالتالي لا أحد يحاول ان يستفيد من الفوضى الحالية!!.

 

يجب تغيير الإجراءات المتّبعة في مرفأ بيروت وكل المراكز الجمركية حالاً اليوم وليس غداً. الإجراءات المتبعة غير فعاّلة، وهي باب مدروس للإبتزاز ولم تنجح ابداً في منع التهريب. المطلوب اليوم الانتقال الى وسائل حديثة، وهذا الموضوع طارئ ولا يتحمّل لجاناً وتأخيراً:

 

ـ أولاً، اعتماد الشفافية المطلقة في عمل المرفأ، لتصبح كل البيانات والمداخيل والمناقصات والاستثمارات متاحة للعموم عبر موقع الكتروني خاص.


 
 

-ثانياً، الانتهاء مما يُسمّى اللجنة المؤقتة لمرفأ بيروت، وإيجاد صيغة فاعلة جديدة، عبر خصخصة ناجحة ومتطورة، وليس خصخصة مصالح واقتساماً لقالب الجبنة.

 

- ثالثاً، أصبح من المسلَّم به أنّ الوقت قد يكون السلعة الأغلى ثمناً، وبالتالي من المؤكّد أنّه يجب إنهاء المعاملة في أسرع وقت ممكن، واعتبار التأخير غير المبرَّر بمثابة رشوى يُحاسِب عليها القانون. فكلّ التجارب والدراسات في كلّ دول العالم أثبتت أنّ الرقابة اللاحقة هي الحلّ، أمّا خلق العراقيل لتأخير التخليص، فهي لا تفيد إلّا مَن يرتشي. انّ التأكّد والتمحيص والفحوص وغيرها إذا كانت ضرورية، يتمّ اجراؤها ولكن بعد «تسريح» البضاعة الى اصحابها، وتكون الغرامات قاسية وقاسية جداً، إذا كانت البضائع تختلف عن التصريح بعد الكشف عليها داخل السوق.

 

جمارك دبي أطلقت مبادرة مبتكرة للارتقاء بكفاية الأداء الجمركي في دبي، عبر تطوير نظام التدقيق الجمركي اللاحق، وهو النظام المختص بالتدقيق اللاحق على الشحنات التجارية بعد إنجاز المعاملات الجمركية، حيث تُعدّ هذه المبادرة من مبادرات التطوير الرائدة في مجال التدقيق اللاحق وهي المبادرة الأولى من نوعها على مستوى الوطن العربي. عسى أن نتعلّم....

 

 رابعاً، إعادة النظر في الرسوم المرفئية التي لا تراعي الجدوى الاقتصادية وهي في الواقع رسوم جمركية، لأنّها تُستوفى بحَسب نوع البضاعة وليس على أساس وزنها أو حجمها.

 

 خامساً، خلق استثمارات ناجحة داخل المرفأ. فإذا نظرنا الى الوضع السابق كانت الابنية شبه فارغة، وكان قد تمَّ بناؤها بمواصفات غير مقبولة أبداً. وبالطبع، نحن نعلم ذلك من خلال المبنى الذي كان تمّ تخصيصه كمعرض دائم للصناعة اللبنانية، وتمّ استرداده لاحقاً من إدارة المرفأ وبقي فارغاً لا يُستعمَل .

 

الخروج من أي كارثة يكون بالتخطيط والالتزام بخلق واقع مغاير لما كان سائداً. فلنثبت للعالم كله اليوم اننا قادرون على خلق مرفأ عالمي يكون شرياناً أساسياً للاقتصاد اللبناني، معاناة الناس التي تضرّرت وتألمت تُلزمنا بالتغيير الجذري.