على رغم تأجيل نطق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بحُكمها في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه من 7 آب الجاري الى 18 منه، إثر الإنفجار الذي حصل في مرفأ بيروت في 4 آب وحصد قتلى وجرحى وأوقفَ فرح بيروت ونبض لبنان، إلّا أنّ جروح اللبنانيين لا تزال مفتوحة ولم يتمكّن قرار المحكمة من محو الدموع وترميم الإنكسارات بانتصار العدالة على منطق القتل، خصوصاً أنّ هذه العدالة لا تتحقّق فعلاً إلّا بتنفيذ الحُكم والعقاب بحق المنفذين والجهات التي أخذت قرار الاغتيال. وهذه العدالة يطلبها اللبنانيون في كلّ من اغتيال الحريري و«اغتيال بيروت».

لم يكن تحقيق مطلب المحكمة الدولية في اغتيال الحريري بالأمر السهل على اللبنانيين وفريق «14 آذار» الذي خسر وجوهاً بارزة وفاعلة في سلسلة الاغتيالات التي تلت اغتيال الحريري عام 2005. وعلى رغم الانتظار الذي طال سنوات، إلّا أنّ حُكم المحكمة ما زال مطلوباً ولازماً، خصوصاً أنّ اللبنانيين فقدوا الثقة بنحوٍ تام في مؤسسات الدولة، وفي ظلّ غياب أيّ أمل في جلاء أي حقيقة أو تحقيق العدالة داخليّاً، بعد الهريان الذي نَخر الدولة ومؤسساتها الى حد الفشل والسقوط بعد 15 عاماً على اغتيال الحريري، حيث تبرز المطالبة مجدداً بتحقيق دولي في انفجار مرفأ بيروت.

 

عزّز حكم المحكمة الدولية الذي صدر أمس الاتهامات التي يوجهها البعض، خصوصاً أفرقاء «14 آذار» الى «حزب الله» والنظام السوري بالضلوع في اغتيال الحريري. فمَن حكمت عليه المحكمة يرتبط، حسب ما أشارت، بـ»جهة منظّمة، والأدلة تشير إلى أنّ الاغتيال كان سياسياً».


 
 

وفي حين استبق الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله قرار المحكمة، مؤكداً أنّ أيّ فرد من «حزب الله» يُتّهم هو بريء، وبالتالي لن يُسلّمه الى المحكمة، تقول مصادر قيادية في تيار «المستقبل»: «أمام «حزب الله» فِعل واحد ليثبت براءته وهو تسليم المحكوم عليهم الى العدالة». وتعتبر أنّه «مجرد أن يرفض «الحزب» تسليمهم ويسمّيهم قديسين، فهذا يؤكد أنه يتهم نفسه بأنه الذي أصدر قرار الإغتيال».

 

وعلى صعيد تأثير القرار على المعادلة السياسية الداخلية، تعتبر جهات سياسية من فريق «14 آذار» أنّ «هذا الحُكم يفصل بين مرحلتين:

 

الأولى، مرحلة تأسيس المحكمة وما رافقها من اغتيالات وتعطيل مجلس الوزراء وإقفال مجلس النواب وحروب كان الهدف منها إطاحة المحكمة الدولية، لأنّ هناك طرفاً يخشى من أن تكشف المحكمة أسرار عمليات اغتيال العصر. وهذه المرحلة تُوّجت أمس بصدور الحُكم.

 

الثانية، تبدأ بعد المحكمة، وهي مختلفة تماماً، إذ هناك اتهام واضح المعالم لـ«حزب الله»، حتى لو لم يكن مباشراً، فلا يُمكن لعملية من هذا النوع تتطلب كلّ هذه القدرات التقنية وهذا التمويل الضخم، أن يقوم بها مجرد أفراد لحساباتهم الخاصة. وهناك من يقف خلف هذه العملية، ومن خَطّط لحصولها. لذلك، هذا الأمر سيفتح مساراً جديداً، هو مسار العدالة في لبنان».


 
 

وعلى مستوى تأثير هذا الحكم على «حزب الله»، توضح مصادر معارضة أنّ حكم المحكمة ينضمّ الى مجموعة عناصر وضغوطات تتزاحم وتترافق على «حزب الله»، مشيرةً الى أنّه «بعد عام 2005 كان هناك ملف واحد ضاغط على «حزب الله» هو المحكمة الدولية، أمّا في عام 2020 فهناك أكثر من ملف بوَزن المحكمة الدولية أو أخف وطأة أو أكثر إيلاماً على «حزب الله». وتعدّد الملفات التي يواجهها «الحزب» الآن، كالآتي:

 

- يخضع لعقوبات دولية.

- يواجه أزمة مالية نتيجة سياساته في لبنان.

- عجز عن إنجاح حكومة ويعجز الآن عن تأليف أخرى.

 

- يواجه أكثر من ملف داخلي، مثل ترسيم الحدود والتجديد لـ»اليونيفيل» والحديث عن تعديل مهماتها.

- مأزوم في خياراته الخارجية، ويعاني من قانون «قيصر» المفروض على النظام السوري.

- وضعية كلّ المحور الإيراني مأزومة في المنطقة.

- الغليان الشعبي بمواجهته، خصوصاً بعد انفجار 4 آب.

 

وانطلاقاً من ذلك، ترى المصادر نفسها أنّ «حكم المحكمة يفتح بحدّ ذاته مساراً جديداً تحت عنوان واضح المعالم، سيصبح مطروحاً بقوة في المرحلة المقبلة، وهو: كيف يُمكن لطرف سياسي أخذ قراراً باغتيال شخصية أو شخصيات سياسية بعد انتهاء الحرب، المُساكنة معه داخل مجلس الوزراء والتعايش معه داخل مجلس النواب وفي المؤسسات؟».

 

وتعتبر أنّ «الضغوطات على «الحزب»، من عقوبات وغيرها، هي نتيجة ممارساته، والمقاطعة العربية للبنان هي نتيجة تدخّله في الشؤون الخارجية، والأزمة المالية القائمة هي نتيجة ممارسته السياسية وتغطيته الفساد».

 

من جهته، يرفض «حزب الله» كلّ هذه الإتهامات، ويأتي قرار المحكمة الدولية بالتوازي مع الإتهامات التي تُطاوِل «الحزب» وتحمّله مسؤولية الإنفجار في مرفأ بيروت، الأمر الذي يعتبره محاولة لاستهدافه. وحتى الآن، لا يبدو أنّ أياً من هذه الاتهامات وحتى قرار المحكمة في اغتيال الحريري ستؤثّر على سياسة «الحزب» الداخلية أو ضلوعه في النزاعات الإقليمية. وترى جهات سياسية معارضة أنّ «حُكم المحكمة لا يُحدث نقلة في لبنان بل الأساطيل التي ترسو على الشاطئ اللبناني هي التي تصنع تغييراً. فلا عدل من دون قوة تحميه. والعدل بلا قوة هو مجرد رأي».