نطقت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أمس بحكمها النهائي في قضية اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، وبعد 15 عاماً على تأليفها وما رافقها من جدل سياسي محلياً وإقليمياً ودولياً. وأبرز ما تضمنه الحكم:

 

1 ـ سليم عياش هو المذنب الرئيسي في الجريمة، وقد أدين بالقتل وارتكاب عمل إرهابي في ما يتصل بقتل الحريري إضافة الى 21 آخرين.

 


2 ـ المتهمون الثلاثة وهم: حسن حبيب مرعي، وحسين حسن عنيسي، وأسد حسن صبرا، تمّت تبرأتهم.

 

3 ـ لا يمكن لغرفة الدرجة الأولى أن تقتنع بأنّ مصطفى بدر الدين كان العقل المدبّر لاغتيال الحريري، لكنها أكدت أنه كانت لديه النية وقام بالأفعال اللازمة لوقوع الاغتيال.

 

4 ـ لا دليل الى أنّ قيادة ««حزب الله» كان لها دور في اغتيال الحريري، وليس هناك دليل مباشر على ضلوع سوريا.

 

5 ـ العقوبة ستحدد في 21 ايلول المقبل، والمحكمة ستواصل النظر في 3 قضايا أخرى مرتبطة بقضية الحريري، وهي: محاولتا اغتيال مروان حمادة والياس المر، واغتيال جورج حاوي، متحدثة عن مسار لتعويض المتضررين.

 

6 ـ ««أبو عدس» ليس من نفّذ الاغتيال، بل إن الانتحاري قام بتفجير نفسه ولم يتم التعرف إليه وتبقى هويته مجهولة.

 

7 ـ إغتيال الحريري عملية إرهابية تم تنفيذها لأهداف سياسية.

 

وقد توالت ردود الفعل المحلية والاقليمية والدولية إثر صدور الحكم، فدعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اللبنانيين الى ان يكون الحكم «مناسبة لاستذكار مواقف الرئيس الشهيد رفيق الحريري ودعواته الدائمة الى الوحدة والتضامن وتضافر الجهود من اجل حماية البلاد من أي محاولة تهدف الى اثارة الفتنة، لا سيما انّ من أبرز اقوال الشهيد انّ ما من احد اكبر من بلده».

 

فيما قال رئيس مجلس النواب نبيه بري «اليوم، وبعد حكم المحكمة الخاصة، يجب ان نربح لبنان الذي آمن به الرئيس الشهيد وطناً واحداً موحداً. وليكن لسان حال اللبنانيين: العقل والكلمة الطيبة، كما عبّر الرئيس سعد الحريري بإسم أسرة الراحل». امّا رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب فأمل «أن يشكّل حكم المحكمة الدولية معبراً لإحقاق العدالة وإرساء الاستقرار، كما كان يحلم الرئيس الشهيد، ليخرج الوطن من هذه المحنة قوياً ومتماسكاً بوحدته الوطنية وسلمه الأهلي وعيشه الواحد». 

 


وإثر صدور الحكم أعلن الرئيس سعد الحريري من لاهاي «باسم عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وباسم جميع عائلات الشهداء والضحايا، نقبل حكم المحكمة ونريد تنفيذ العدالة».

 

وقال: «لا تنازل عن حق الدم. امّا مطلب اللبنانيين الذي نزلوا بعد جريمة الاغتيال هو كان الحقيقة ‏والعدالة الحقيقية. اليوم عرفناها جميعاً، وتبقى العدالة التي ستتنفّذ مهما طال الزمن‎». وأضاف: «ما بقى حدا يتوقّع منّا أي تضحية» فنحن ضَحّينا بأغلى ما عندنا ولن نتخلى عن لبنان الذي دفع ‏الشهداء حياتهم لأجله».

 

 

وقال: «التضحية يجب ان تكون من ««حزب الله» الذي أصبح واضحاً أنّ شبكة القتلة خرجوا من صفوفه، ولن أستكين حتى يتم تسليمهم للعدالة وينفذ فيهم القصاص». وطالب الحريري بتحقيق دولي في انفجار مرفأ بيروت، متأسفاً لأنّ «الانفجار عثرة وجرح كبير للبنان ولكن لا يجب ألا نفقد الأمل». واعتبر أنّ ««المملكة العربية السعودية دعمت المحكمة الدولية لإيمانها بالعدالة».

وليلاً، عاد الرئيس سعد الحريري من لاهاي وتوجّه مباشرة لزيارة ضريح والده في بيروت.

 

مواقف خارجية

 

وفي المواقف العربية والدولية علّقت المملكة العربية السعودية، فقالت وزارة خارجيتها في بيان انها ترى في هذا الحكم «ظهوراً للحقيقة وبدايةً لتحقيق العدالة بملاحقة المتورطين وضبطهم ومعاقبتهم»، داعية «لتحقيق العدالة ومعاقبة ««حزب الله» وعناصره الإرهابية». واضافت أنّ السعودية تتطلّع «إلى أن يعمّ لبنان الأمن والسلام بإنهاء حيازة واستخدام السلاح خارج إطار الدولة وتقوية الدولة اللبنانية لصالح جميع اللبنانيين بدون استثناء».

وفي اول رد فعل سوري على قرار المحكمة في قضية الحريري، قال عضو مجلس الشعب السوري أحمد الكزبري لقناة «آر تي» الروسية، إنّ «على الساسة في لبنان أن يقدموا اعتذارهم للحكومة السورية وإلى الشعب السوري عن كل ما بدر منهم من اتهامات زائفة، بعدما صدر الحكم عن المحكمة الدولية وأثبت عدم علاقة الحكومة السورية بعملية الاغتيال».

 


وأضاف أنّ «الموضوع الآن سيخضع للتدقيق من قبل الأجهزة القضائية السورية ومن المحامين السوريين بما يخدم مصالح الشعب السوري المتضرّر، والذي يحتفظ بكامل حقوقه القانونية نتيجة اتهام حكومته المتكرر وما ترتّب على ذلك من إجراءات على المستوى الدولي أدّت إلى إلحاق الضَرر الجسيم به، وذلك وفقاً لقواعد ومقتضيات القانون الدولي».

 

 

وذكر الكزبري انّ «فريق 14 آذار وعلى رأسهم سعد الحريري رئيس الوزراء آنذاك قام بتوجيه الاتهام إلى سوريا، ومنذ عام 2005 نفى الرئيس بشار الأسد أيّ علاقة لسوريا باغتيال الحريري بل قال: إذا أثبت التحقيق الدولي تورّط سوريين فسيكونون خونة وسيعاقبون بشدة. كما تعاونت الحكومة السورية بشكل حثيث مع التحقيق الدولي لأنّ كشف الحقائق هو مصلحة سورية مهمة».

 

 

وقال وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية جيمس كليفرلي: «إنّ إدانة عضو في ««حزب الله» بالتآمر لقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في تفجير عام 2005 هي خطوة نحو تحقيق العدالة». وقال: «حكم اليوم هو خطوة نحو العدالة، يجب محاسبة من يرتكبون مثل هذه الفظائع».

 

 

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان: «إنّ حكم المحكمة التي حققت في مقتل الرئيس الحريري والذي تمّ الإعلان عنه اليوم جَلّي، لا لبس فيه. إنّ جماعة ««حزب الله» الإرهابية وأفرادها متورّطون في جريمة القتل وعرقلة التحقيق». واضاف: ««حزب الله» أخذ مستقبل اللبنانيين رهينة خدمة للمصالح الخارجية... على دول العالم أن تتخذ إجراءات ضد هذه الجماعة الإرهابية لمساعدة لبنان على تحرير نفسه من هذا الخطر». ومن جهة ثانية اتهم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي ««حزب الله» بانتهاك قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 حول لبنان، داعياً الحكومة اللبنانية «للسيطرة» على ما يجري في البلاد.

 

 

وقال كوخافي خلال تسليم وتسلّم القيادة للعمليات العسكرية في العمق، أمس، إنّ ««حزب الله» أصبح «جيشاً إرهابياً يعمل في بيروت والبقاع وجميع مناطق جنوب لبنان». واضاف انّ ««حزب الله» يخرق القرار الدولي الرقم 1701، ويواصل تعزيز قدراته وتسلّحه بسلاح دقيق، ويحاول استهداف دولة إسرائيل»، مشيراً إلى «أنّ القرار يحظّر حيازة سلاح غير حكومي جنوب نهر الليطاني.» . واتهم ««حزب الله» بمنع مراقبة قوات «اليونيفيل» الأممية، معتبراً أنه يعمل «تحت رعاية عدم مبالاة الحكومة اللبنانية». واعتبر أنّ الحكومة اللبنانية «تلغي نفسها أمام ««حزب الله» ومَكّنته من تفريغ القرار 1701 من مضمونه». وأضاف أنه «آن الأوان لتعزيز ملموس في القدرات والصلاحيات التي تتمتع بها «اليونيفيل»، ومطالبة الحكومة اللبنانية ببسط نفوذها والسيطرة على ما يجري في لبنان في ما يتعلق بالإرهاب والسلاح».

 


من جهته، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، امس، «إنّ السياسات الأميركية والسعودية الخاطئة هي التي أوصَلت لبنان إلى ما هو عليه اليوم». وشدّد على أنّ «من واجب السعودية وأميركا التعويض عن الدمار الذي لحق بلبنان من دون فرض شروط مسبقة».

 

 

وقال ظريف إنّ «تعزيز الجماعات المتطرفة من قبل السعودية في لبنان هو ما أوصَله إلى ما هو عليه اليوم، لم ننس أنّ من فجّر السفارة الإيرانية في بيروت كان أجيراً سعودياً، والآن على السعودية أن تساعد لبنان كي تصحح أخطاءها لا أن تفرض عليه الشروط». وأضاف أنه بعد لقائه بعدد من المسؤولين في لبنان فإنّ غالب الظن أنّ «انفجار مرفأ بيروت ناجم عن حادث غير متعمّد»، داعياً لبنان إلى إجراء التحقيق حول هذا انفجار المرفأ بشكل مستقل، ويمكن للدول الأخرى تقديم المساعدة له في التحقيق.

 

 

وأكد ظريف أنّ مقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان «مقترح جيد للغاية»، مشدداً على أنه على لبنان التركيز على إعادة البناء وتأجيل الدخول في المحادثات السياسية. واعتبر «أنّ الضغوط الأميركية لتشكيل حكومة غير سياسية في لبنان غير منطقية ولا معنى في لبنان لدولة غير سياسية». وقال: «إنّ اللبنانيين يعتقدون بوجوب إيجاد إصلاحات في لبنان، ويمكن لـ »»حزب الله» أن يساعد في الإصلاحات»، مضيفاً: «الفساد موجود في لبنان. أمّا ««حزب الله» فيمتلك نظاماً سالماً يمكنه المساعدة في الإصلاح، والأمين العام للحزب حسن نصر الله سيكون في طليعة إجراء الإصلاحات في لبنان».

 

 

وكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش في تغريدة على «تويتر»: «بقلق شديد، ناقش سفراء مجموعة الدعم الدولية اليوم الأزمة الشاملة المتفاقمة التي يمر بها لبنان». وأضاف: «جرى نقل تحذيرات شديدة إلى السلطات والقادة السياسيين، وكانت ردودهم في كثير من الأحيان مخيبة للآمال».

 

 

وتابع: «توقعات المجتمع الدولي معروفة جيداً، فمن دون إصلاحات عاجلة تتطلب دعماً سياسياً واسعاً لن يتمكن لبنان من الاعتماد على أي إنقاذ». وختم: «اليوم صفحة جديدة في تاريخ لبنان عنوانها العدالة وإحقاق الحق».