سقطت الحكومة، بعد سقوط الألوف من الشهداء والجرحى والبيوت في الشهيدة الحيّـة المقدسّة بيروت.

وماذا بعد..؟ بأيِّ تابوت يريدوننا أنْ نمـوت..؟

بتابوت العهد اليهودي...؟ (1)

أوْ بتابوت العهد اللبناني...؟

 

«بتابوت وصايا» الإنهيار ووصايا الإنفجار والدمار؟ بأيِّ تابوت يريدوننا أن نمـوت مع كلِّ بزوغ شمس وطلوع قمر...؟

مِـنْ أجل مـاذا ومِـنْ أجل مَـنْ، يحمل كلٌّ تابوتَهُ على منكبَـيْهِ، وترتدي النساء ثيابَ الحداد إستقبالاً للقاتل المجهول الذي يقْـرَعُ الأبواب عنـد الفجر وبعـد منتصف الليل ...؟


 
نموت ليحيا الملك...؟ إنّـه شعارُ القرونِ الوسطى، حيث الناس على ديـنِ ملوكهم.. فمَـنْ لـمْ يقبلوا فليَرْحلوا، والرحيلُ يحـلُّ محـلَّ الإعدام.

 

في قـرْنِ التمرّد على القرون الوسطى أعلنَ فيلسوف الثورة الفرنسية جان جاك روسو: «أنّ الحاكم إذا انصرَفَ عن خدمة الشعب إلى العناية بنفسه وإخصّائِـه ، أصبح النظام استبدادياً، فيحقُ إذ ذاك للشعب أن يخلعه».

 

هكذا، أطلقت الثورة الفرنسية معادلة الحكم المستبـدّ والشعب المستعبد، فإنْ لـمْ يكُـنِ القصرُ بيـتَ الشعب كـان «الباستيل» بيـتَ الحكم، وكانت المقصلة تاج الملِك.

 

في حالة المراوحة المأتميّـة التي يعيشها لبنان، وحالةِ اليأس الحتميّة من السلطة الحاكمة، كنّا نتمنّى حدوثَ صدْمـةٍ مـا، حدوث واقعةٍ صاعقة، حتى ولو كانت حربـاً، لأنّـه في الحرب كما يقول الفيلسوف الإلماني هيغل: «إمّا أنْ تؤكِّـد الشعوب حرِّيتَها، وإمّـا أنْ تسقط في العبودية».

 

الصدْمةُ التاريخية تلقَّفتْها بيروت تضحيةً دموية، لتؤكّـد الرهان على الحريّـة ، هكذا انتصرتْ على زلزال سنة 349 الذي دمّـر نصفَ أبنيتها، وعلى زلزال تموز الجيولوجي سنة 551 الذي دمّـرها وارتـدَّ البحـرُ عنها مسافة ميلَيْـنِ إلى الوراء (2).

 

ويؤلمها اليوم، أنْ يكون البحـرُ وراءها والعدوُّ أمامها.

 

إنفجار بيروت لم يُحـدثْ إرتجاجاً جيولوجياً في طبقات الأرض، بـل في الطبقات السياسية الحاكمة، فـكَّ الحصارَ الدولي عن وطـنٍ عزَلَتْـهُ السلطة، وأطلق طموحَ شعبٍ عظيم على آفاق العالم، هَا هُـوَ الأمين العام للأمم المتحدة، يُشيد بصمود هذا الشعب وقـوّة إرادته.


 
 

شعبُ لبنان عظيمٌ في نظـر العالم، وفي نظر حكّامه: قطيعٌ نصفُه يفترسُهُ الحاكم، ونصفُهُ الآخر تفترسُـهُ الفواجع.

وماذا بعد، هل تستقيل الحكومة، والفساد لا يستقيل...؟

هل تستمرّ المنظومة الفاسدة التي هي أكبر من الدولة، كما جاء في بيان رئيس الحكومة المستقيل...؟

 

عندما تكون منظومة الفساد والإستكبار أكبرَ من الدولة تصبح المعالجة دوليةً، على غرار ما قيل عن عقويات دولية لا تستهدف شخصيات شيعية بل مسيحية وسنيّـة أيضاً... لتشمل حجـزَ الأموالِ في الخارج وعدم إصدار تأشيرات».

 

وإلاّ، فلتكن الثورة هي الحلّ لانتزاع رمَـقِ الحياة والوجود الإنساني.

 

والثورة المرتبطة بالمصير الوجودي، تدكُّ العروش، وتطيح الكبار الوهميّيـن الذين بنَـوا أبراجهم على الترويض الشعبي، المحامي الفرنسي لوستالو Laustalot يقول إبّـان الثورة الفرنسية: «لا يبدو لنا الكبار كباراً، إلاّ لأننا راكعون أمامهم، فلنَنَهضْ.

 

لا يزال في لبنان شعبٌ ناهضٌ يراهنُ على الموت من أجله، في مواجهة الذين جعلوا لبنان يموت من أجلهم، وها هو لبنان يكاد أن يموت، فلن نقبل أن نموت معَـهُ إنتحاراً في تابوت، بل شهداء من أجله.

-1 تابوت العهد: الذي يضم لوحَيْ الوصايا العشر، ويُعرف أيضاً بتابوت الشهادة.

-2 مجلّة أوراق لبنانية: يوسف ابراهيم يزبك: الجزء الثاني - ص. 223.