من معراب، وبعد إجتماعه بموفد رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط أمس الأول، أكّد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «أننا على بُعد ساعات من إعلان موقف كبير». هذا الموقف هو استقالة كلّ من تيار «المستقبل» و«الاشتراكي» و«القوات» من مجلس النواب، الأمر الذي يُفقد المجلس ميثاقيته وجزء كبير من شرعيته، خصوصاً في ظلّ إستقالة نواب حزب «الكتائب اللبنانية» وآخرين مستقلين، ويدفع في اتجاه إجراء انتخابات نيابية مبكرة. إلّا أنّ الساعات مرّت من دون أن يُعلن هذا الموقف، فاستقالة حكومة الرئيس حسان دياب غيّرت اتجاه سياسة «المستقبل» و«الاشتراكي».
بالنسبة الى جعجع، إنّ استقالة حكومة دياب «لا تقدّم ولا تؤخّر»، بل يجب الذهاب الى جوهر المشكلة وهو «تغيير الأكثرية النيابية، الذي لا يُمكن أن يتمّ سوى عبر انتخابات نيابية مبكّرة». لكن استقالة «القوات» من مجلس النواب مُرتبطة باستقالات أخرى حتى الآن، لأنّها «ليست فشة خلق»، بل هدفها تغيير المسار وفرض انتخابات نيابية مبكّرة، من خلال إفقاد مجلس النواب ميثاقيته الدرزية والسنّية وجزء كبير من الشرعية المسيحية.

 

وفي حين أنّ هذه الاستقالة كانت «على قاب قوسين أو أدنى»، ألغتها أو أجّلتها استقالة دياب. وفي حين يُحكى عن اتفاق ثلاثي بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري وجنبلاط على مقايضة استقالة دياب بعدم الاستقالة من مجلس النواب، تُجمع الجهات السياسية المُعارضة على أنّ «السُلطة التي تمثّل فريق 8 آذار ضحّت بالحكومة خوفاً من التضحية بمجلس النواب، في ظلّ رفضها إجراء انتخابات نيابية مبكّرة، قد تسحب منها الأكثرية النيابية وبالتالي تخرجها من الحُكم».


 
 

بالنسبة الى «المستقبل»، إنّ استقالة دياب فرضت الحديث عن «ماذا بعد سقوط الحكومة»، كذلك فرضت السؤال: «هل تنفع الاستقالة من مجلس النواب، وأن لا يعود هناك من سلطات فعلية، إذ إنّ المجلس يفقد شرعيته، أو ننتظر لنرَ إذا كان هناك توجّه للإتيان بحكومة جديدة جديّة وقادرة على إنقاذ الوضع، فندعمها في مجلس النواب؟». وتؤكّد مصادر «المستقبل» أنّ «خيار الاستقالة من المجلس لا زال قائماً، لكنّه مبني على الاستشارات النيابية والتوجّه في تأليف الحكومة».

 

انطلاقاً من ذلك، يؤيّد «المستقبل» حكومة مستقلين تنال ثقة المجتمعين المحلي والدولي، وتأخذ صلاحيات كافية وواسعة، ومن ضمنها إجراء انتخابات نيابية مبكرة». لكن إجراء هذه الانتخابات ليس شرطاً لدى «المستقبل»، لأنّ «الوقت ليس للتغيير بغية التغيير فقط، بل الأساس تأليف حكومة تُعطي الثقة للناس وتوقف التدهور الحاصل، خصوصاً أنّه في ظلّ «كورونا» من المستحيل من الآن الى سنة أقلّه إجراء انتخابات بالطريقة التقليدية».

 

بالنسبة الى «القوات»، إنّ موقف جعجع من معراب، وإعلانه أنّ الأمور ذاهبة في اتجاه موقف مشترك من «المستقبل» و»الاشتراكي» و»القوات» بالاستقالة، أدّى الى أن يُسارع فريق السُلطة الخاسر الى الطلب من دياب الإستقالة أو دفعه اليها، بهدف تبديل الحركة السياسية وأخذ الأمور الى اتجاه آخر. فدوائر القرار في الضاحية الجنوبية لبيروت وبعبدا خشيت من حصول استقالة من هذا النوع، تفرض انتخابات نيابية مبكّرة ترفضها، إذ إنّها تعلم أنّها ستنهزم في ظلّ وضعها الشعبي المأساوي. وعلى رغم تراجع الحريري وجنبلاط عن الاستقالة من مجلس النواب الآن، تتمسّك «القوات» بموقفها وستُكمل سعيها ودفعها الى إجراء انتخابات نيابية مبكّرة «تجسيداً لإرادة الناس ورغبتهم، إذ هناك شكوك حول شرعية المجلس الحالي الشعبية بعد ثورة 17 تشرين».


 
 

تراجع الحريري وجنبلاط وتركهما جعجع وحيداً في هذا المضمار، تضعه «القوات» في إطار العمل العام. وتقول مصادرها: «لكلّ طرف سياسي إرتباطاته ومخاوفه وهواجسه، التي تؤخذ في الإعتبار، و»القوات» تتعاطى مع هذا الموضوع من منطلق أنّ هذه قوى سياسية موجودة وتتقاطع معها على عناوين أساسية، وعليها المحاولة معها، وأمامها خياران: أن تستقيل وتخرح من اللعبة ولا تفعل شيئاً، أو أن تستمرّ في المحاولة ودفع المسار الى الاتجاه المطلوب».

 

وانطلاقاً من الحاجات الراهنة والرأي العام القائم، فضلاً عن غليان الشارع والدخول القوي للمجتمع الدولي على خط الأزمة في لبنان، يجب، حسب «القوات» حصول «عملية تغيير بالنهج القائم لإخراج لبنان من الأزمة، وهذه العملية تدفع الى أن تلتقي القوى بعضها مع بعض، لكي تنتج الوضعية الأنسب للبنان».

 

وسيحدّد جعجع اليوم بعد إجتماع تكتل «الجمهورية القوية»، في مقرّ «القوات» في معراب، عناوين المرحلة المقبلة والإتجاهات التي ستخوضها «القوات». وسيؤكّد أنّ «أيّ حكومة سياسية غير مقبولة، فالعمل المنتج يتطلب وجود أصحاب إختصاصات فعلاً غير مأمورين بإملاءات من خارج الحكومة».

 

وتعتبر «القوات» أنّ الذي أفشل حكومة دياب هو «الإملاءات الخارجية، فيأخذون قرارات في مجلس الوزراء ثمّ يأتي قرار من الضاحية وبعبدا ليتغيّر قرار السرايا الحكومية. وإنّ عدم إمتلاك هذه الحكومة قرارها أوصلها الى السقوط. وبالتالي يجب أن تأتي حكومة غير سياسية لا من قريب ولا من بعيد، وأن تحوّل مجلس الوزراء ولبنان ورشة عمل حقيقية بإصلاحات جدّية بعيداً من التسويات والمحاصصات والزبائنيات والتركيبات. وإمّا نكون أمام مسار من هذا النوع، وإمّا يتحمّل الفريق الحاكم مسؤولية أخذ البلد الى الفراغ. ففوّت على البلد الكثير، ويتحمّل مسؤولية الانهيارات المتتالية منذ تأليف حكومة دياب. إذ لو أنّه اعتدل بتفكيره وذهب حينها الى تأليف حكومة اختصاصيين مستقلين فعلاً لما وصل البلد الى الحضيض والكارثة».