«في حارتنا ديك سادي سفاح ينتف ريش دجاج كل صباح ينقرهن، يطاردهن، يضاجعهن ولا يتذكر أسماء الصيصان يخطب فينا، ينشد فينا، يسدي فينا فهو الخالد وهو القهار الجبار» نزار قباني
مفهوم الدولة الفاشلة هو صفة تلازم الدول التي تعجز عن القيام بوظائفها عامة. بدأت أدبيّات السياسة تتناوله في أوائل التسعينيات من القرن العشرين عند بداية انهيار الحكومة الصومالية. وظهرت دراستان عن الدولة الفاشلة ونُشرتا في مجلة السياسة الخارجية الاميركية. خلصت الدراستان إلى أنّ مفهوم الدولة الفاشلة يمكن أن يُختصر بتلك الدول التي لا تستطيع أن تلعب دورها ككيان مستقل. وحول الدول المنهارة، فهي تلك الدول التي لم تعد قادرة على القيام بوظائفها الأساسية تجاه مواطنيها.

 

ورأى آخرون، أنّ الدولة الفاشلة هي الدولة التي تحكمها الميليشيات المسلحة. فيما عبّر بعض الباحثين وقالوا بأنّها: تلك الدولة التي تفقد السيطرة على وسائل استخدام العنف، ومن ثم تكون عاجزة عن تحقيق السلام والاستقرار لشعوبها، وتعجز أو تتغاضى عن فرض السيطرة على أراضيها أو عن جزء منها، وعليه لا تستطيع ضمان النموّ الاقتصادي، أو أي توزيع عادل للسلع الاجتماعية. وغالباً ما تعتور هذه الدول حال انعدام المساواة الاقتصادية وتعمّ فيها المنافسة العنيفة على الموارد.

 

ويمكن الاستناد إلى ما يلي لوصف الدولة الفاشلة:

 

- فقدان احتكار الاستخدام المشروع للقوة والسلطة داخل أراضيها.

- تآكل السلطة الشرعية، لدرجة العجز عن اتخاذ قرارات موحّدة.

- عدم القدرة على توفير الخدمات العامة.

- عدم القدرة على التفاعل مع الدول الأخرى كعضو كامل العضوية في المجتمع الدولي.

 

المؤشرات السياسية: وأهمها يتمحور بمدى درجة شرعية ومصداقية نظام الحكم، وتراجع قدرة الدولة على تقديم الخدمات العامة، وتعطيل أو تعليق تطبيق حكم القانون وانتشار ممارسات انتهاك حقوق الإنسان، وتنامي حالة من ازدواجية المسؤولية الأمنية، بحيث تتمتع جهة بسلطة تضاهي سلطة الدولة، ووجود حالة من عدم الااستقرار السياسي، خصوصاً على المستوى المؤسساتي، وتزايد حدّة التدخّل الخارجي، سواء من جانب دول أو فاعلين من غير الدول.


 
 

المؤشرات الإقتصادية: وأهمها عدم انتظام معدل التنمية الاقتصادية، واستمرار تدهور وضع الاقتصاد الوطني بدرجات تدريجية متفاوتة أو حادة، بالإضافة إلى ازدياد معدلات الفساد وانتشار المعاملات العرفية.

 

المؤشرات الاجتماعية: من ملامحها تصاعد الضغوط الديموغرافية، ويُعبّر عنه بارتفاع كثافة السكان في الدولة، وانخفاض نصيب الأفراد في المجتمع من الاحتياجات الأساسية، وتزايد حركة اللاجئين بشكل كبير إلى خارج الدولة، أو تهجير عدد من السكان في منطقة داخل الدولة بشكل قسري، ووجود إرث عدائي لدى أفراد الشعب في ما بينهم، وانتشار ظاهرة هروب العقول والكفاءات.

 

وغالبًا ما يأتي فشل الدول على أصعدة متوازية، بمعنى أنّه يمكن للفشل على الصعيد الاجتماعي أن يكون مسبباً لفشل على الصعيد الإقتصادي، وعليه تفشل المؤسسات السياسية في تدارك الفشل المترتب على الصعيدين السابقين، لتتصاعد احتمالات تدخّل قوى خارجية في الدولة.

 

إنّ هذه الخصائص إذا ما تحققت داخل دولة ما، يمكن أن تؤدي إلى ظهور اللاجئين وحركة نزوح لا إرادية من السكان، ترغمهم على النزوح أو اللجوء نتيجة التدهور الإقتصادي الحاد. ووفقاً لنظريات الباحث السياسي «ماكس فيبر» وهي تقول، «من الممكن أن تكون الدولة ناجحة، وأن تبتعد عن معيار وخصائص الدولة الفاشلة، عن طريق المحافظة على احتكار الإستخدام المشروع للقوة والسلطة داخل أراضيها، دون السماح لجماعات مسلحة أو أمراء الحرب أو أي تنظيم مسلح من السيطرة على أي جزء داخل الأراضي، بحيث أن تبقى الكلمة الفصل والسلطة للدولة وحدها». إلّا أنّ احتكار الدولة وحدها على القوة والسلطة داخل مناطقها لا يكفي لوحده لضمان استقرار الدولة. فتوفير السلع الاساسية وضمان عدم هجرة العقول وغيرهما من المحدّدات، هي أيضاً عامل هام لضمان نجاح الدولة من منظور صندوق السلام.


 
 

ما سبق، هو اختصار لدراسات طويلة حول مبدأ فشل الدول. وحسبما أكّدت التجارب العملية، فإنّ لكل من الدول الفاشلة طريقها الخاص إلى الفشل، لكن مؤشرات الفشل تكون عادة مشتركة بينها.

 

منذ أيام، وبعد جريمة هولوكوست بيروت، كتبتُ تغريدة استدرجت عليّ اللعنات والشتائم من الكثيرين، كما حظيتُ ببعض التأييد من آخرين. ولكن، وحتى من قِبل الشتامين، فإنّهم مقتنعون بأنّ الدولة فاشلة، لكن الخلاف كان على طلبي الرعاية الدولية لإنقاذ ما تبقّى من شعب مرهون للعقائد المتخلّفة وشهوة السلطة، حتى ولو على الخرائب وعلى البشر الهائمين على وجوههم من اليأس والحزن والعوذ.

 

لو نظرنا بشكل خاطف للدول الفاشلة، لتأكّدنا أنّها تلك التي سعت بشعبوية ليس لها نظير، إلى طرد المحتل الأجنبي وتوكيل محتل وطني زمام السلطة مكانه، فتسلّط الوطني وتاجر وفشل في معظم الأحيان في تركيب دولة، لا بل أنّه لم يسعَ أصلًا إلى دولة، بل أراد كماً من البشر الموجودين تحت نزواته وغبائه الفاضح، مجرد رهائن يسوقهم تحت شعار السيادة الوطنية. السجّان الوطني أو الخاطف الوطني أو القاتل أو السفاح أو المفجّر أو الفاسد الوطني، ونزيد عليهم في بلدنا المنهار، القائد الفاشل الفاسد المجرم زعيم القبيلة الطائفية الذي تهون أمام غبرة حذائه تضحيات آلاف الشبان بحياتهم ومستقبلهم ودموع أهاليهم. والمثير للسخرية، أنّ كل من ثارت حميتهم على طلب الرعاية الدولية، لا بأس عندهم برعاية إيرانية مثلاً، أو حتى برعاية على الطريقة السورية من بشار الأسد!

 

لبنان اليوم، وحتى قبل جريمة المرفأ، دولة فاشلة لكونها تحمل كل المقومات العلمية التي ذكرناها آنفاً حول مؤشرات الفشل. والدولة التي تحتاج الى طلب المساعدة لعلاج أو إطعام أبنائها، أو ترميم بنيانها، وهي فاقدة لثقة أبنائها، لا حرج إن طلب مواطنوها العون لإدارة بلادهم، بدل اللجوء إلى المراكب في البحر للهروب إلى المجهول.

 

المأساة حصلت، لكنها ليست الأولى، وإن كان حجمها مرعباً، لكن ماذا عن حرب مدمّرة جديدة، ماذا عن المخفي الأعظم من متفجرات مخبأة في عنابر الأبنية أو في دهاليز تحت الأرض؟ ماذا عن الأبنية المتصدّعة الجاهزة للانهيار، ماذا عن الطرقات المنخورة والجسور الآيلة إلى السقوط؟ ماذا عن النظام الصحي المريض ولا من دواء؟

 

ألا تباً بالفساد الوطني وأهلاً ومرحباً بالعلاج الدولي.