"كارثة كبرى" حلّت بلبنان وضَمّخته بدم شهداء وجرحى الانفجار الرهيب الذي ضربه في خاصرته البحريّة في مرفأ بيروت.

 

بيروت مدينة منكوبة ومفجوعة، في لحظات بَدا وكأنّ عاصمة لبنان ستختفي تحت ركامها؛ ما حصل لا يوصف، دويّ الانفجار كان في منتهى الكارثية، وعَصفه اقتلعَ كلّ ما في طريقه الى أبعاد حتى عشرات الكيلومترات عن هذا البركان الذي انفجر بين اللبنانيين الآمنين.

 

4 آب 2020، يوم هو الأكثر شؤماً في تاريخ لبنان، كأنّه يوم الدينونة، المشهد يستحيل على الكلام ان يصفه، ولا أن ينقل صورة تلك اللحظات الجهنمية التي تصاعد فيها الانفجار وغلالته الفطريّة التي أحدثها وأزهقت ارواح العشرات وأهرقت دماء الآلاف من اللبنانيين ممّن يسعون الى رزقهم والافلات من حبل المشنقة الاقتصادية والمالية التي حكمت عليهم بالاعدام المعيشي.

 

ما الذي حصل؟ سؤال محيّر، ليس هناك من جواب أكيد له حتى الآن. الكلام الأولي انّ انفجاراً كيماوياً هائلاً وقع في عنبر تخزين كميات هائلة من مادة «نيترات الامونيوم»، وهناك معلومات امنية غير مؤكّدة تحدثت عن نحو 2700 طن من هذه المادة الشديدة الانفجار، والمخزّنة في احد عنابر مرفأ بيروت منذ العام 2014.

 

والسؤال المحيّر أكثر، من المسؤول عن هذا التخزين؟ ولماذا هذا التخزين في مكان يبعد بضعة امتار عن بيوت الناس؟ ومن استورد المواد المخزّنة؟ ولأيّ هدف؟ ولماذا أُبقيت مخزّنة كل هذه المدة؟ وما هو دور الجمارك؟ وما هو دور الوزارات المعنية؟

 

هذه الاسئلة وغيرها تتطلب اجوبة سريعة من السلطة، وليس الاكتفاء بالتعبير عن الحزن والاسف والبكاء على الاطلال. وقبل كل ذلك هناك سؤال اساسي: من سيعوّض الشهداء الذين يتزايد عددهم مع مرور الوقت، والجرحى الذين زادوا عن الـ3 آلاف وقد ضاقت بهم مستشفيات العاصمة والمناطق؟ ومن سيعوّض الدمار الهائل الذي وقع؟ ومن سيعوّض مرفأ بيروت الذي تدمّر بالكامل؟ وإهراءات القمح التي زالت بالكامل، وهذا باب لأزمة خانقة في هذا المجال؟ والأهم، من هو المسؤول عن هذه الكارثة، او بالاحرى عن هذه الجريمة ضد الانسانية؟ هل حصل الانفجار نتيجة خطأ غير مقصود؟ وهل حصل نتيجة عمل مقصود؟ وفي كلا الحالتين من سيحاسب؟ هل هذه السلطة الضائعة أصلاً في مغارة العجز والتراخي واللامبالاة؟

 

واذا كان اللبنانيون، على اختلافهم، ضحايا هذا الزلزال الكيماوي الذي ضربهم، وجَمعهم المصاب الواحد، والحزن الواحد، والقلق الواحد على وطن يتعرّض للتدمير الشامل، فإنّ ما تبقّى من السلطة مُطالَب بأن ينزل الى الارض بمبادرات حتى ولو كانت مُكلفة، لبَلسمة الجروح العميقة التي حفرها الزلزال في العاصمة وأبنائها، وفي الوقت نفسه ينبغي ان يشكّل ما حصل حافزاً لأشقاء لبنان وأصدقائه على المبادرة الى إغاثته ومساعدته على تجاوز هذه المحنة التي لن تُمحى آثارها بسهولة، وارتدادتها ستستمر حتى مسافات زمنية بعيدة.