مطلع القرن العشرين، تحوّل مرض السل، الملقب من قبل كثيرين بالهزال التدريجي والموت الأبيض والطاعون الأبيض، لأحد أهم أسباب الوفيات بالولايات المتحدة الأميركية. فيومياً، يتسبب هذا المرض الذي أصاب الرئتين، في وفاة ما لا يقل عن 450 أميركياً، تراوحت أعمارهم أساساً ما بين 15 و44 سنة.
 
 
وأثناء فترة تميّزت بتخلف طبي واضح مقارنة بما نحن عليه اليوم، ربطت الأغلبية بين مرض السل والأوساخ والظروف الصحية السيئة التي كانت منتشرة في خضم الثورة الصناعية. وأمام غياب دواء فعّال ضد السل حينها، مثّل العلاج عن طريق الهواء الطلق والنقي أفضل ما وصفه الأطباء للمصابين بهذا المرض وقد أدى ذلك لظهور العديد من المصحات المخصصة لمرضى السل، بأوروبا والولايات المتحدة الأميركية، التي اتخذت من الغابات البعيدة عن المدن مقرا لها. من جهة ثانية، ألقى العديد من الأطباء والمعلمين باللوم على النظام التعليمي فوّجهوا أصابع الاتهام نحو الأقسام المكتظة بالتلاميذ وأكّدوا على دورها في نشر مرض السل. وللحفاظ على صحّة الأطفال، لم تتردد العديد من المؤسسات التعليمية في تقديم الدروس بمناطق مفتوحة خارج الأقسام.
 
وبشكل مبكر، عرفت حركة التعليم بالهواء الطلق ظهورها بألمانيا عام 1904 تزامنا مع تواصل ارتفاع حالات الإصابة بالسل وقد افتتح طبيب الأطفال برنهارد بنديكس ومتفقد المدارس ببرلين هرمان نيوفرت أولى مدارس الغابات المخصصة للأطفال المرضى (Waldschule für kränkliche Kinder) عند مناطق تشارلوتنبرغ (Charlottenburg) قرب برلين. في الأثناء، توافد العديد من الأطفال الذين عانوا من أعراض مبدئية لمرض السل، كفقر الدم وتورم الغدد، من المدن نحو هذه المدرسة لتلقي الدروس بالهواء الطلق واضطروا لاستخدام الأقسام والغرف المصنوعة من الخشب أثناء فترات الطقس البارد والمطر.
 
إلى ذلك، ساهمت أولى مدارس الغابات بألمانيا في انتشار هذه الظاهرة بالعديد من الدول الأوروبية فشهدت كل بلجيكا وإنجلترا وسويسرا وإيطاليا وإسبانيا ظهور مدارس مماثلة كما ظهرت لاحقا منظمة مدارس الهواء الطلق وعقدت أولى مؤتمراتها العالمية بباريس عام 1922.
 
مدارس الهواء الطلق بأميركا
عام 1908، ظهر برنامج مدارس الغابات بالولايات المتحدة الأميركية بفضل جهود طبيبتين من منطقة رود آيلند (Rhode Island) حيث كانت كل من ماري باكارد (Mary Packard) وإيلن ستون (Ellen Stone) ، اللتين صنفتا ضمن قائمة أولى الإناث اللوات تخرجن في جامعة جون هوبكينز للطب، ضمن أبرز الشخصيات التي أسست منظمة بروفيدنس للقضاء على مرض السل بأميركا. وعقب إدارتهما لأحد المخيمات الصيفية للأطفال المصابين بالسل، طالبت هاتان الطبيبتان بضرورة حصول الأطفال على كميات وفيرة من الهواء النقي والطلق على مدار السنة لضمان حفاظهم على صحة جيدة.
 
ومع نهاية العام الأول، سجل المسؤولون تحسناً واضحا للحالة الصحية للعديد من الأطفال ليقتدي بذلك العديد من المناطق بمثال مدينة بروفيدنس الأميركية، فبلغ بذلك عدد "مدارس الهواء الطلق" بأميركا 65 مدرسة خلال عامين فقط كما لجأت مدارس أخرى لاعتماد تقنيات مشابهة فزادت من عدد النوافذ وقدمت أحيانا حصصا دراسية خارج القاعات.
 
المضادات الحيوية
من جهة ثانية، عمد كثير من المهندسين المعماريين بالولايات المتحدة الأميركية والعديد من الدول الأوروبية لاعتماد تصاميم بناء عكست نظريات منظمة القضاء على السل وقد تواصل تطبيق كل ذلك لحدود منتصف الأربعينيات حيث عرفت حركات مدارس الهواء الطلق بداية نهايتها تزامنا مع اكتشاف الستريبتوميسين (Streptomycin) والعديد من المضادات الحيوية الأخرى التي ساهمت في الحد من خطر مرض السل. ويعود بنا الحديث بذلك الى فيروس كورونا اليوم، فمتى يجد العالم دواءً مشابها للتخلص من هذه الجائحة؟.