يسمع اللبنانيون جعجعة ولا طحين، ولا مازوت ولا بنزين ولا كهرباء ولا ماء ولا عمل، ولا عملة وطنية سليمة، اللهمّ جُلّ ما تبقّى لهم الخزي والخذلان والتّوهان، والوقوف صفوفاً طويلة أمام المصارف والصرافين والمستشفيات والأفران ومحطات الوقود.
 

بالأمس دخل اللبنانيون في تيهٍ جديد، أين منه التّيه الذي تاه فيه بنو إسرائيل عندما حاروا فلم يهتدوا للخروج منه، وذلك عندما دوّت أصوات المدافع والتهبت النيران في أعالي الجولان، على الحدود الجنوبية مع إسرائيل، فما جرى بالأمس من اشتباكاتٍ مُسلّحة " مزعومة" بين الجيش الإسرائيلي و" المقاومة الإسلامية في لبنان"، لم يكن سوى زوبعة في فنجان، ومتاهة يحار أحذق الناس من الخروج منها، فإسرائيل تزعم أنها أحبطت تسلُّلاً لمجموعة من حزب الله اجتازت الخطّ الأزرق المرسوم بين لبنان وإسرائيل، وحزب الله ردّ بعد ساعاتٍ بأنّه لم يتسلّل إلى إسرائيل، ولم يكن موجوداً أثناء الحادثة، وعلى كلّ حالٍ اعتاد اللبنانيون على ذلك منذ أكثر من عقدٍ من الزمن، فثورة الأرز المليونية التي قامت في الرابع عشر من شهر آذار عام ٢٠٠٥، انتهت بعقود "مُحاصصات" خطرة وصادمة، أفضت إلى تسليم السلطة والبلد للجنرال عون وصهره المُدلّل جبران باسيل، ومن ورائهما التيار الوطني الحر( تيار الإصلاح والتغيير!)، وزراء طاقة يعدون منذ أكثر من عشرسنوات بتأمين الطاقة الكهربائية لقاء هدر عشرات مليارات الدولارات، ليجد اللبنانيون أنفسهم في متاهة العتمة والظلام، وزراء ونواب ومسؤولون يُشمّرون عن سواعد الجِدّ والعزم لمكافحة الفساد، وهم في ذات الوقت أهلُهُ وصانعوه والغارقون في نعيمه، ويجد اللبنانيون أنفسهم دائماً في متاهة الفساد.

 

إقرأ أيضا : قائد الجبهة الشمالية الإسرائيلية يتخوّف من اجتياح الجليل بسبب المجاعة

 

 

حمل اللبنانيون في السابع عشر من تشرين الأول عام ٢٠١٩ شُعلة الثورة الشعبية على الطبقة السياسية الفاسدة في سبيل اقتلاعها، فيتنطّح سيد "المقاومة والممانعة"، المُفترض به أن يكون أول المُطالبين بمُحاسبتها ومُعاقبتها، إلى حمايتها وتأمين ديمومتها، تمكّن اللبنانيون خلال انتفاضتهم من استبدال حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري بحكومة هجينة ومُصطنعة يترأسها " أكاديمي نرجسي" لا شأن له ولا باع في السياسة والإجتماع والإقتصاد، يُشاركه في ذلك وزراء " مُخنّثون" ووزيرات "مُسترجلون "، فيدخل اللبنانيون من جديد في متاهة الحكومة الديابية التي تعِد ولا تفي، تُؤلّف اللجان وتُعيّن المستشارين، وتُكثّف الاجتماعات، فيسمع اللبنانيون جعجعة ولا طحين، ولا مازوت ولا بنزين ولا كهرباء ولا ماء ولا عمل، ولا عملة وطنية سليمة، اللهمّ جُلّ ما تبقّى لهم الخزي والخذلان والتّوهان، والوقوف صفوفاً طويلة أمام المصارف والصرافين والمستشفيات والأفران ومحطات الوقود، وفوق ذلك عندنا بحمد الله تعالى، الذي لا يحمد على مكروه سواه، الكورونا والبطالة والنفايات التي تُطلُّ براسها بين الفينة والأخرى، المؤسف أنه لم يبق أمام اللبنانيين سوى التّنقّل من تيهٍ إلى آخر، والتّحسُّر على ما كان عليه لبنان منذ إنشائه قبل مائة عام، والتّمثّل بقول أبي.  العتاهية:

 

عرِيتُ من الشّباب غضّاً

كما يعرى من الورق القضيبُ

ألا ليت الشباب يعود يوماً

فأُخبرهُ بما صنع المشيبُ.