الحفاظ على الستاتيكو لم يعد ممكناً وسط تسارع الانهيار. فإلى اين تهرب هذه السلطة والاستمرار بسياسة النعامة وهي العاجزة عن تطبيق الإصلاحات الحقيقية التي تشكل المخرج للبدء بالتعافي لكن لمن هم في السلطة والمتحكمون بكل شيءنسأل الى أي شرق وهو يبحث عن علاقات مع الغرب الى أي غرب ما دمنا نريد قوات دولية بلا مهمة واخراج اميركا من غرب آسيا، ونهدد دول الخليج ونسخر من اوروبا ونرفض حتى ابسط مطلب فرنسي وهو اصلاح الكهرباء .
 

تعريف الدولة الفاشلة حسب ما جاء في تعريف الموسوعة الحرة. أولاً تصبح الدولة فاشلة إذا ظهر عليها عدد من الأعراض أولها أن تفقد السلطة القائمة قدرتها على السيطرة الفعلية على أراضيها، أو أن تفقد حقها في احتكارها السلاح للدفاع عن حدودها الجغرافية البرية والبحرية وحماية مواطنيها، والحق في استخدام العنف في الأراضي التي تحكمها. ثانياً عند فقدانها لشرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها. ثالثاًعجزها عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة. ورابعها عجزها عن التفاعل مع الدول الأخرى كعضو فاعل في الأسرة الدولية. 

 

 

خرج اللبنانيون إلى الشوارع في 17 تشرين من 2019 نتيجة أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية في أواخر العام 1990، وأدت الاحتجاجات إلى إستقالة حكومة الرئيس سعد الحريري وبعد عدة أشهر، تولى "حسان دياب" رئاسة الحكومة، لكن لا يبدو أن الأمور تحسنت، لا بل إنها ساءت أكثر حسبما يقول الواقع. وتسببت الأزمة طويلة المدى في فقدان الليرة اللبنانية حوالي 80% من قيمتها، مما أدى الى زيادة التضخم والفقر، فيما حُرم أصحاب الودائع إلى حد بعيد من القدرة على السحب من حساباتهم بالدولار الأمريكي، وبلغ عدد العاطلين عن العمل داخل لبنان حوالي نصف مليون شخص، فيما بلغت نسبة الذين بلا عمل بين الخريجين الجامعيين إلى 37%، طبقا لأرقام المديرية العامة للإحصاء المركزي في لبنان.

 

 

في 23آب 2019، جاء تقرير وكالة فيتش للتصنيف المالي صادما عندما خفض لبنان الى درجة "س س س" معلنا انه لا توجد خطة متوسطة الأجل ذات صدقية لتثبيت الدين الحكومي، وأن الثقة الضعيفة تنبع من عدم الاستقرار السياسي وضعف الحكومة وعدم فعاليتها، وتدهور النمو الاقتصادي وارتفاع المخاطر الجيوسياسية، وضعف العلاقة بين لبنان ودول الخليج العربي الداعم المالي الرئيسي، بسبب عدم التزام الحكومات اللبنانية سياسة النأي بالنفس في الصراعات السياسية والعسكرية في المنطقة العربية. إزاء هذا الوضع المنهار انخرط لبنان في محادثات مع صندوق النقد الدولي من أجل الاتفاق على خطة إنقاذ مالي لإعادة جدولة ديون وصلت إلى نحو 90 مليار دولار امريكي، أي ما يعدل 170 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.

 

إقرأ أيضا : وزير الخارجية الفرنسي والتحذير الاخير

 

 

الأزمة اللبنانية في جوهرها أزمة حوكمة منبثقة من نظام طائفي يعاني من خلل بنيوي، ما حال دون صنع سياسات عقلانية وسمح بانتشار ثقافة الفساد والهدر. وقد يصاحب المرحلة المقبلة إعلان الدول الدائنة أن لبنان دولة فاشلة لينضم إلى نادي 50 دولة في العالم سبق أن أعلنت تعثرها عن سداد ديونها، أو أن تعلن مؤسسة مالية دولية عن افلاسه، لبنان بلد منهوب، حيث يعمل السياسيون الفاسدون والمتنفذون على نهب المال العام، وحيث تستمر الشكوك في قدرة الدولة على تنفيذ ما تعد به من إصلاحات، من منطلق واحد، وهو أن السلطة الفاسدة التي صنعت الكارثة ، هي من ستجترح معجزة الإصلاح والإنقاذ. وهذا ما دفع البطريرك الماروني بشارة الراعي مؤخرا الى البوح بما يعتمل في صدورالسواد الاعظم من اللبنانيين، حيث قال بوضوح إن المسؤولين في الدولة على كل المستويات، يتآكلهم الفساد السياسي والأخلاقي والمالي، وإنهم يهملون الشعب في معيشته وحقوقه الأساسية، بإهمالهم النهوض الاقتصادي والمالي، وبتغطيتهم التهريب والتهرب الضريبي، وحماية المفسدين والتغطية عليهم، ولهذا عندما تقولون إن الخزينة فارغة، فأنتم الذين أفرغتموها في جيوبكم.

 

 

لبنان الآن عالق في وسط نفق مظلم وغير قادر على الزحف إلى الأمام أو إلى الوراء. الإفلاس في جوهره هو إفلاس سلطة سياسية مفترسة تتبجح بفسادها علانية من غير خوف او حرج، وهو أيضا إفلاس اجتماعي وثقافي، تمثل في نمط حياة غير طبيعي مبني على نكران الواقع والتعلق بالتمنيات، ونبذ النقد الذاتي ومحاسبة الأخطاء والخطايا، والميل لعدم تحمل المسؤولية، وتحميل الآخر إن كان في الداخل أو في المحيط أو في العالم البعيد مسؤولية أزمات اللبنانيين. ودائما هناك التعلق بالمنقذ الآتي من الخارج لتصحيح الوضع مؤقتا ووقف الانهيار الراهن، وحماية مكتسباتهم، ولكن ليس لحل معضلاتهم الحقيقية. لبنان في الواقع في طريقه إلى خانة الدول الفاشلة. 

 

 


في الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي، كان لبنان نموذجا حيا للتصالح والتعايش بين الطوائف والأقليات، رغم اعتماده نظام المحاصصة الطائفية الذي كان من المفترض ان يلغى تدريجيا حسب اتفاق الطائف الذي انهى الحرب الأهلية في أواخر العام 1990م، ولكن يبدو ان زعماء الطوائف لا يرغبون في ذلك خوفا على مصالحهم الشخصية وفقدان نفوذهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حتى عندما وضع اتفاق الطائف بادرت سلطة الوصاية السورية يومها، الى التطبيق الاستنسابي بما يخدم مصالحها وحلفائها  وتُرك فيه ألف ثقب لألف مناورة، ونظن أنّ طريقة تطبيقه خلال خمسة عشر عاماً أكّدت أنّ معظم عناوينه تُعطّل، وهذا ما يستدعي تفعيله وتطبيقه لانه الدستور، لكن من المؤسف أن واقع لبنان السياسي السقيم لا يسمح بهذا. لم يكن لبنان مركزا ماليا فقط، كانت بيروت عاصمة للنشر والطباعة في العالم العربي، وكما كانت باريس بالنسبة لأوروبا، كانت بيروت ملجأ للمعارضين السياسيين والمفكرين والمثقفين والفنانين العرب، احتضنتهم وحمتهم من بطش انظمتهم الحاكمة.  

 

 

لكن السلطة وصلت الى مأزق ضيق جداً، وهي تتلاعب بالحقائق وتلعب بأزمات لبنان وتعيش عليها وتقترض للنهب طريق الاصلاح والتغيير مسدود، والحفاظ على الستاتيكو لم يعد ممكناً وسط تسارع الانهيار. فإلى اين تهرب هذه السلطة والاستمرار بسياسة النعامة وهي العاجزة عن تطبيق الإصلاحات الحقيقية التي تشكل المخرج للبدء بالتعافي لكن لمن هم في السلطة والمتحكمون بكل شيءنسأل الى أي شرق وهو يبحث عن علاقات مع  الغرب الى أي غرب ما دمنا نريد قوات دولية بلا مهمة واخراج اميركا من غرب آسيا، ونهدد دول الخليج ونسخر من اوروبا ونرفض حتى ابسط مطلب فرنسي وهو اصلاح الكهرباء .