يبقى الامل على وعي اللبنانيين والاستمرار بالتظاهر السلمي لمواكبة كل الامور التي تستطيع ان تبعد لبنان عن شبح الحرب والانهيار . فالانتفاضة الشعبية هي الخلاص الاكيد لبنان ولشعبه.
 

لاتزال اصداء التفاعلات تسيطر على الاجواء السياسة اللبنانية  منذ اسبوعين على نداء البطريرك اللبناني وسائر المشرق مار بشارة بطرس الراعي من خارج المتوقع  التي تمحورت حول المبادرة التي تمحورت حول تحرير الشرعية من الحصار وحياد لبنان  وتنفيذ القرارات الشرعية ، وتمحورت عناوينها حول الحياد الايجابي للبنان والنأي بالنفس عن صراعات المنطقة.

 


كأنها صاعقة كهربائية لم تكن الطبيعة تنتظرها تم تفجيرها في سماء لبنان المتلبد بالصراعات الداخلية والمحورية ، حيث اندلعت شرارة الصرخة من بطريرك الموارنة في لبنان لما يمثله هذا المركز من احترام وتقدير لدى المسيحيين والمسلمين حيث كان لهذا الصرح طوال الفترات الماضية موقفا وطنيا وباعا طويلا مع كل الاحدث وتجنيب البلاد والعباد شر البلية .

 


البطريركية تنتصر للبنان من جديد، وتسلك طريق الجلجلة التي سلكها البطريك الراحل مار نصرالله بطرس صفير ، وتقف بوجه الذين يحاولون العبث بلبنان ، وبدوره التاريخي،  والرائد في المنطقة، ومع جيرانه العرب لان لبنان بلد عربي الهوية والانتماء والمسيحيين راية هذا التوجه تاريخيا .

 


فمن لحظة تأسيس لبنان الكبير كان للبطاركة الدور الاساسي في الدفاع عن سيادة لبنان من البطريرك الياس الحويك، والبطريك انطوان عريضة ، والبطريرك صفير  التي كانت له بصمتان تاريخيتان عند اللبنانيين مبادرته الشجاعة والمكلفة في تغطية اتفاق الطائف واطلاق نداء المطارنة الشهير عام 2000.

 


وهذا النداء اسس لمناهضة الوجود السوري في لبنان تحت توجه عدم مبرر وجوده بعد الانسحاب الاسرائيلي عام 2000.


لم يكن خطاب البطريرك مار بطرس الراعي زوبعة في فنجان كما يحاول البعض تصويره او مجرد خطاب سياسي او موعظة دينية القاها نهار الاحد في الكنيسة بل كانت خطاب وطني واضح الرؤية والمعالم اطلق فيه البطريرك من ثوابت وطنية للحفاظ على الرعية المسيحية والاسلامية بظل الوضع الذي يعيشه لبنان من انهيار اقتصادي واجتماعي ومعنوي ضرب البلد نتيجة سياسات ومصالح ضيقة وضعت لبنان في مكان لا يحسد عليه .

 


ان تحييد لبنان عن ازمة المنطقة والابقاء على الحياد لم يكن كلامه كما يحاول البعض ابعاد البوصلة عن طريقها ، فالراعي كان واضح المعالم في خطبته وتصوراته ، وكلماته كانت كلمات مدروسة ، فكان المقصود بها الذهاب نحو التدويل والحماية الدولية وعدم جعل لبنان صندوق بريد يخاض حربا على اراضيه بالوكالة .

 


فهذا لا يعني ان يكون الحياد بالنسبة لمشكلة الصراع العربي الاسرائيلي فكل الاجماع اللبناني بكل فئاته وطوائفه وقياداته هو ضد الاسرائيلي وضد الاحتلال وتصرفات العدو مع شعب فلسطين حتى لو اختلفت اساليب المواجهة والقتال.
لكن الراعي انتقل الى مرحلة الحياد عن مشاكل المنطقة، والالتزام بالاتفاقات الدولية كافة وصولا الى اتفاق بعبدا الذي يشكل فيها كافة النسيج اللبناني جزأً اساسيا في التوقيع على هذه الاتفاقات الدولية بما فيها حزب الله .
طبعا يعرف حزب الله بان النداء موجه له مباشرة  وبالتالي حاول الالتفاف على النداء من خلال طرح فكرة الحياة عن الصراع الصهيوني بات جريمة النداء والذي حاول تجويف النداء في محاولة الهجوم عليه وإخافة البطريرك بالسير في هذا الطريق .

 


فالنداء الذي يزعج ايران مباشرة حاولت ارسال سفيرها الى الديمان(المقر الصيفي للبطريرك)  لتوجيه رسالة علنية من الصرح البطريركي بان ايران لا تتدخل في شؤون لبنان الداخلية وتتعامل معه كدولة لدولة وفي المضمون للزيارة حاولت ان ترسل رسالة مبطنة ترى بان لبنان يجب ان يلعب صندوق بريد بين ايران وامريكا بظل الحرب (الباردة الساخنة) الدائرة حاليا ، وربما البطريرك عليه حمل الرسالة للفاتيكان.  


فايران بسياستها البرغماتية تعلم جيدا ماذا يعني نداء البطريرك والتوجه الى الفاتيكان وهي لا تريد تكرار تجربة البطريرك صفير مع التواجد السوري واطلاق نداء البطاركة الشهير.


فالحياد الايجابي بنظر اللبناني هو الابتعاد عن صراعات المحاور التي بات لبنان يربط نفسه فيها دون الرجوع الى الشعب اللبناني وانتهاج سياسة خاصة ادت بحصار لبنان اقتصاديا وسياسيا وماليا ومعنويا .

 


يقول المثل الروسي "بان تأتي متأخرا افضل ان لا تأتي "،  وهذا ما ينطبق على اعلان البطريرك الراعي الذي انتظره لبنان وشعبه طول 10 سنوات مضت كان يتأمل من البطريركية المارونية انتهاج النهج السابق الذي حافظ على استمرار وجود لبنان، وانتمائه العربي من خلال سياسات البطاركة السابقين .

 


فالسؤال المطروح هل كان النداء مطلبا خارجيا  لحماية لبنان ، طبعا هذا النداء كان مطلبا من الفاتيكان  للتحرك والضغط على الخارج فرنسا تحديدا والاتحاد الاوروبي  وامريكا  للتحرك السريع  والمساعدة الفعلية لبلد بات يحتضر من خلال سياسات  انتهجها البعض ،  فلم يعجب  الفاتيكان طلبات الهجرة المقدمة للسفارات والتي بلغت اعدادها اكثر من 250 الف شخص واغلبهم من المسيحين ، لم يعجب الفاتيكان الانهيار الاقتصادي في بلد كان يوصف بسويسرا الشرق ، لم يعجب الفاتيكان صرخة الاهل والامتناع عن تسجيل الطلاب في المدارس الكاثوليكية، الفاتيكان ينظر كيف تنهار المؤسسات الاقتصادية والتعليمية والطبية  في لبنان والناس  باتت تنظر الى القمامة والعوز يسيطر على الناس وقلة قليلة تقبض بالدولار وتعيش حياة الرفاه والتجلي وكأن الذي يحدث بعيدا عنهم ، لا يعجب الفاتيكان والكنيسة العريقة ساكتة امام ثورة 17 تشرين  ، و بغض النظر عن التفسير الذي يحاول البعض اطلاقه على موقف البطريك الراعي يبقى بان الراعي فعل فعله  وسوف يذهب الى الفاتيكان وبيده تصور لما يحتاجه لبنان ، اطلق الراعي النداء والباقي على الفاتيكان.

 


وربما هذا النداء المتأخر جاء ليواكب مطالب انتفاضة 17 تشرين التي نزل فيها اللبنانيين الى الشارع للصراخ والتحذير من ازمة قادمة تجتاح لبنان بسبب السياسات المبرمجة التي قادتها هذه الطبقة الحاكمة طوال الفترة الماضية مما دفع بالعديد للاعتصام والتظاهر من اجل لبنان وسيادته وتطبيق الدستور والصراخ بأعلى الاصوات "كلن يعني كلن" .

 


والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا يمكن للمجمع الكنائسي فعله  بعد اطلق نداء بطريرك لبنان سوى الصراخ والمناشدة الدولية ، بالعكس تماما فان في الفاتيكان لايزال في مقدوره تغير التوجهات وقلب الطاولة راسا على عقب .
فالنداء الذي كتب بعناية قانونية وليست الإلهية تشير الى مدى الكلمات المستخدمة في الخطاب واهمية التعابير والمصطلحات التي يستطيع من خلال المجمع الكنائسي وضع النقاط على الحروف وتامين الحماية الدولية بالذهاب الى مجلس الامن  ووضع لبنان تحت الحماية الدولية ومجلس الامن لا يتطلب سوى تفعيل البند السابع الذي يقع لبنان تجت وصايته .

 


ولابد من التذكير بان الفاتيكان في عام 1980  لعب دورا رياديا ابان انتفاضة التضامن في بولندا كان له الدور المميز في حماية الدولة البولونية من التوحش الروسي وسحق الانتفاضة تحت دبابات ال تي 72 ذائعة الصيت وقتها وسحق الشعب البولوني في وارسو وكراكوف، غدانسك، كاتوفيتشي ، كما حدث في ربيع براغ 68 وبوخارست 65، ولاحق 88-89 في دول البلطيق وجورجيا واذربيجان.

 


طبعا كان الدور الكبير للكاردينال يوحنا بولس الثاني  البولوني الاصل الذي منع تلك المجزة من حصوله بوسائله الكثيرة واستطاعت بولونيا من اجتياز المحنة التي عاشتها بظل انتفاضة نقابة التضامن (اتحاد العمل  والتي كانت في في (لينين)غدانسك شيبيارد ) حيث استطاعت من ايصال رئيسها "ليخ فاونسا"  الى رئاسة الدولة البولونية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بانتخابات حرة ونزية اختارها الشعب .

 


لقد التقط الراعي التوقيت الداخلي والخارجي لإعلان هذا النداء ربما كان يحاول توجه العيون الجميع الى الازمة والخطر الحقيقي الذي بات يعصف في لبنان ومكوناته الاجتماعية، من ناحية واستخدام العبارات التي تشير الى الطلب الفعلي من العالم لحماية لبنان دوليا .و لانّ معظم مصائب لبنان منذ استقلاله ناتجة عن سيطرة نزعات عابرة للأوطان لقد ان الاوان للام المتحدة التفكير جيدا بعض البطريرك الذي سيقدم للفاتيكان والذي سيشكل طلب فعلية للحماية الدولية وابعاده عن الصراعات الاقليمية.

 


لكن للحقيقة بان قرار البطريك لن يتوقف عند هذه المرحلة لان الراعي بات اسير مبادرته التي ستكون في الايام القادمة اشد واصعب من مرحلة البطريرك صفير وخاصة بان الشارع الشيعي بات واضحا معارض لها مما يفرض تغيير في التوازنات الداخلية الداعمة لهذه المبادرة وتسويقها دوليا والاتفاق حولها بظل الصراع الخارجي والاحتضان الفاتيكاني . فان الارتباك الذي شاهدنه من رئيس الوزراء اللبناني الحالي والوزير السابق جبران باسيل حيال المبادرة  وعدم القدرة على رفضها مباشرة ، وكذلك تأييد الشارع المسيحي والمسلم  لها بظل الازمة الاقتصادية الاجتماعية الحصالة، ومحاولة افراغها من قبل حزب الله واخذها  نحو اتجاه مختلف .
يبقى الامل على وعي اللبنانيين والاستمرار بالتظاهر السلمي  لمواكبة كل الامور التي تستطيع ان تبعد لبنان عن شبح الحرب والانهيار . فالانتفاضة الشعبية هي الخلاص الاكيد لبنان ولشعبه.


خالد ممدوح العزي ..
صحافي وكاتب لبناني