وأكاد أجزم هنا لو أن الامام الصدر حاضرا معنا هذه الايام لكان من أول الداعمين والمناصرين لهذه الدعوة التي لطالما كان الامام ينادي بها.
 

مرة جديدة تعود الى الواجهة إشكالة "الهوية اللبنانية "، فيتشظى المجتع اللبناني وينقسم كما في كل مرة تطرح فيها هذه المعضلة المتزامنة مع  لحظة ولادة وتأسيس هذا الكيان ولو بمسميات مختلفة وظروف وضرورات مستجدة، وكأن اللبنانيون مقدر لهم ان لا يتعلموا من تجاربهم الطويلة ومن ماضيهم وحاضرهم وما عانوه ويعانونه من مصائب وويلات.

 


 
فقد اعادت دعوة البطريرك الراعي لاعتماد لبنان سياسة " الحياد " كوسيلة مثلى لاخراج لبنان من مستنقع المحاور، والانحياز القاتل الى محور مقابل الآخر في لحظة يشهد فيها لبنان أقسى أزمة اقتصادية ومالية وسياسية تشكل للمرة الاولى في تاريخ لبنان خطر وجودي، لتنبري قوى وأحزاب سياسية يقودها هذه المرة حزب الله للدفاع عن تموضع لبنان في المحور الايراني غير آبهين بما لهذا الامر من مخاطر جمة.

 

 

فاذا كان المشهد السياسي هذه الايام يعيد الى الاذهان ما كان سائدا فترة ما قبل الحرب الاهلية في السبعينيات وما تبعه من ترددات لاتفاق القاهرة المشؤوم والتواجد الفلسطيني المسلح على الجبهة الجنوبية من اجل إخماد باقي الجبهات العربية مع العدو الاسرائيلي بما فيها طبعا جبهة الجولان المحتل 

 


يبقى أن المستغرب هذه المرة هو استبدال القوى اليسارية والقومية المرتبطة يومها بما يسمى بالمحور الشرقي، واصرار هذه القوى المستفيدة من انخراط لبنان وتبعيته على حساب استقراره الذي كلفه الكثير الكثير، بالثنائي الشيعي، هذا الثنائي الذي يدعي أنه يرفع راية الامام الصدر ويسير على منهاجه ويتصرف وفق تعليماته، في حين أن عودة سريعة الى تراث الامام المغيب ومواقفه التي استطيع أن أدعي بأنه دفع حياته ثمنا لها إنما هي بالجهة المقابلة تماما.

 

 

ولعل اتهام ما كان يسمى باليسار والمنظمات الفلسطينية يومها للامام بانحيازه الى اليمين المسيحي إلى حد تلفيق إشاعات العمالة للامام والعمل عند " المكتب الثاني " إنما كان بسبب ما يصرح به من ضرورة الحفاظ على الهوية اللبنانية وابتعاده عن كل المحاور وصولا حتى الى مطالبته بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع فلسطين المحتلة واغلاق جبهة الجنوب التي تحولت الى مجرد "صندوق بريد" لأطراف إقليمية ولأهداف لا علاقة لها بمقاومة الاحتلال يدفع لبنان والجنوبييون أثمانا باهظة بسببها.

 

اقرا ايضا : إعلم يا سيد

 

 

وإن كان المقام في هذه العجالة لا يسمح بذكر مواقف الامام وتصريحاته الصحفية الواضحة جدا بهذا الخصوص فإنني أدعو القارئ العزيز للرجوع الى بعض منها كتصريحه لصحيفة " le mond  "   في 19 تموز 1975 ،، أو إلى ما جاء في جريدة النهار حول رأيه حول دعم المقاومة الفلسطينية والسماح لها باستخدام لبنان مكانا لثورتها في 13 تموز 1975 

 


وحين سأله الصحافي القدير الراحل سليم اللوزي في 2 ايلول 1977 عن علاقته بايران ومدى ارتباطه بها ؟؟ فكان جواب الامام الواضح والصريح "... الشيعة في لبنان لبنانيون عرب قبل كل شيء، وان الرابط السياسي بينهم وبين أي بلد غير لبنان سيما البلاد غير العربية خطر كبير بل خطيئة، وهل نشكو في لبنان من قلة الولاءات حتى نحاول إضافة محور سياسي جديد ؟ 

 

 

وفي هذا السياق أيضا لا بد من استذكار ما جاء في ورقة العمل التي اقرها المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى برئاسة الامام الصدر بتاريخ 11 ايار 1977 والتي شكلت مرتكزا اساسيا لعمل المجلس فجاء بالبند الثالث منها : لا يمكن القبول بتشوية وجه لبنان الحضاري بتحطيم دوره العربي والدولي تفاديا لفقدان دور لبنان المميز كرسالة حضارية . 

 

 

هذا غيض من فيض من مواقف الامام الصدر التي يدرك كل ذي لب بأنها تتطابق تماما مع دعوة البطريرك الراعي، وأكاد أجزم هنا لو أن الامام الصدر حاضرا معنا هذه الايام لكان من اول الداعمين والمناصرين لهذه الدعوة التي لطالما كان الامام ينادي بها.

 

 

والمحزن هنا أيضا أن حملة التخوين والاتهام التي تطال الراعي هذه الايام هي نفسها التي كانت تشن على الامام الصدر مع فارق وحيد، ان منصات حملة التخوين والاساءة للامام لم تكن يومها من فوق منابر المساجد والحسينيات فقط .