مفهوم الحياد ما زال حتى الآن، وكما كان عندما طُرح عند بداية اندلاع الحرب الأهلية السورية مفهوماً غامضاً ومطّاطاً وحمّالَ أوجُه، ويمكن تبنّيه والإنقلاب عليه بسرعةٍ ويُسر.
 

بعد زيارة كُلٍّ من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وسفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية والوزير جبران باسيل للصّرح البطريركي، مع عددٍ آخر  من السياسيين والمسؤولين، ومع كامل الإحترام لموقع بكركي الروحي والوطني، وموقع غبطة البطريرك مار بشارة الراعي، والتّقدير الفائق لنُبل مقصده بطرح فكرة "الحياد" كهدفٍ مُرتجى لحلّ مُعضلات البلد المتفاقمة، إلاّ أنّ مفهوم الحياد ما زال حتى الآن، وكما كان عندما طُرح عند بداية اندلاع الحرب الأهلية السورية مفهوماً غامضاً ومطّاطاً وحمّالَ أوجُه، ويمكن تبنّيه والإنقلاب عليه بسرعةٍ ويُسر، وخيرُ من عبّر عن غموض مفهوم الحياد وسهولة استخدامه والقفز فوقه، السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله، عندما تعالت بعض الأصوات المعترضة على دخول حزب الله معترك الحرب السورية بقوله: دعونا لا نختلف داخل لبنان، وهلّموا للصّراع والإقتتال في الساحة المفتوحة في سوريا، كما كان أبلغ ردٍّ على تهافت فكرة حياد لبنان عن الصراعات الإقليمية والدولية المحتدمة، قول النائب محمد رعد عن ورقة إعلان بعبدا الدّاعية للحياد وصون استقلال لبنان وسيادته: "بلّوها واشربوا ماءها".

 

إقرأ أيضا : حُكّامٌ ظلَمَة..ينهبون في السّرّ ويكذبون في العلن

 


في غابر الزمان طالب النائب الراحل ريمون إدّه باستقدام قوات دولية برعاية الأمم المتحدة، تفصل بين لبنان وإسرائيل، ووضع حدٍّ فاصل بين لبنان والصراع العربي الصهيوني، فاتُّهم آنذاك بالإنعزالية وبسلخ لبنان عن محيطه العربي، وكانت الحركة الوطنية اللبنانية قد برّرت انخراطها في الحرب الأهلية اللبنانية في الربع الأخير من القرن الماضي، بمواجهة التيار " الإنعزالي" اللبناني، والذي كان يتزعمه حزب الكتائب، ورايته المقاتلة بيد الرئيس الراحل بشير الجميل، لتعود وتعتذر عن ذلك فيما بعد، واليوم يمكن القول وبراحة ضمير: لا حياد ولا من يحزنون، نحن في خضم المواجهة الإقليمية والدولية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، تراجعت هموم الصراع العربي الإسرائيلي في العالمين العربي والإسلامي، وبات هذا " الهمّ" وراء ظهر العرب، والفلسطينيون يُديرون صراعهم مع عدوهم الصهيونى بكفاءةٍ مقبولة، أفضل بكثير من مُعاناة الشعوب العربية مع حُكّامها، اليوم وللأسف الشديد، لا فائدة من طرح شعارات وهمية، ومفاهيم غامضة لن تُضفي على المشهد السياسي والسيادي والاجتماعي والمالي سوى المزيد من الضياع والاضطراب، وقريباً جدّاً لن يجني اللبنانيون منه سوى المزيد من الخيبات والحسرات وضياع الوقت الثمين، وسماع الأطروحات التافهة كتلك التي أسمعنا إياها بالأمس الوزير جبران باسيل بعد لقائه غبطة البطريرك، ومن على منبر الديمان، ولربما نُفاجأ بعد وقتٍ قصير بوضعه في خدمة حزب الله الذي يجب مُواجهته بدل طرح خيار الحياد عليه، ولربما نراه في القريب العاجل بجانب مقولة: الشعب والجيش والمقاومة، هذه المقولة التي لم " يبُلّها ويشرب ماءها" الحكيم الحاج محمد رعد، رغم مرور الزمن.