أكد الرئيس فؤاد السنيورة، في حديث الى قناة إكسترا نيوز عبر سكايب، ان المشكلات التي يعاني منها لبنان الآن ليست جديدة بل هي قديمة، ولكن يتسارع تفاقمها، وهي ما زالت تتعاظم سنة بعد أخرى. ويعود السبب في ذلك إلى الاستعصاء من قبل بعض الحكومات والمجالس النيابية السابقة، وأيضا بسبب استعصاء الكثير من السياسيين والأحزاب السياسية في عدم تأييد البرامج والأفكار الإصلاحية".
 
وقال السنيورة: "المخيب والمحزن في هذا الأمر أن هذا الاستعصاء ما زال مستمرا. فقد اعلن حزب الله موقفه بكل صراحة بأنه يرفض ان تقوم الحكومة بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وكان الغرض من هذا التفاوض هو الحصول على دعم لاستعادة الثقة بالصدقية الائتمانية المنهارة للبنان. صحيح أن الحزب عاد وبالشكل ليعبر عن موافقته ولكن شرط ان يكون ذلك في مصلحة لبنان. لكن بالفعل ما زال الاستعصاء مستمرا من قبله ومن قبل الحكومة ومن قبل فخامة الرئيس والأحزاب الأخرى التي تؤيدهم. وتتضح الصورة أمامنا عندما نرى ما يسمى بدويلة حزب الله التي انتفخت وأصبحت فعليا تبتلع الدولة اللبنانية، وتصادر قرارها المستقل والحر. ويقف إلى جانب الحزب في ذلك "التيار الوطني الحر" الذي يمثله فخامة الرئيس، وكذلك بعض الأحزاب الأخرى التي تمالىء النظام السوري، والتي أصبحت بمجموعها تقبض على الدولة اللبنانية".
 
اضاف: "هذه المشكلات قد أصبحت الآن هائلة، بكل معنى الكلمة، ولبنان الآن أصبح يعاني منها الأمرين. وهي لا تقتصر فقط على المشكلات من الجوانب المالية والاقتصادية والنقدية والاجتماعية والمعيشية، بل أيضا لها امتداداتها الوثيقة بالأوضاع السياسية المتردية. إذ أنه وفي هذه السنوات العشر الماضية زاد تسلط حزب الله على لبنان وعلى الدولة اللبنانية، ما أدى بالتالي إلى حدوث اختلال كبير في التوازنات الداخلية في لبنان الذي يقوم التوافق فيه أصلا على مبدأ قوة التوازن بين مكوناته، وليس على أساس توازن القوى في ما بينهم. كذلك أيضا، التسبب بالخلل الكبير في التوازنات الخارجية، وتحديدا في ما يتعلق بسياسة لبنان الخارجية وعلاقته مع الدولة الشقيقة والدول الصديقة. ذلك مما جعل لبنان وإلى حد كبير يعاني من عزلة قاتلة. هذا في الوقت الذي قد أصبح فيه لبنان بأمس الحاجة إلى الدعم من أشقائه وأصدقائه من أجل إنقاذه".
 
واكد "ان التردي الكبير في هذه الأمور، أصبح يفرض المسارعة إلى القيام بمعالجة سريعة، وهو الأمر الذي يتطلب من الجميع الوقوف إزاء هذه المسألة بشكل واضح وصريح وشجاع، وبالتالي المبادرة للقيام بالإصلاحات التي طال انتظارها حتى يستطيع لبنان تصويب مسيرته السياسية وتصحيح أوضاعه الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية والمعيشية".
 
ورأى السنيورة ان "هذه الحكومة لا تستطيع ان تقوم بأي شيء، وذلك لكونها قد أصبحت أسيرة الضغوط التي تمارس عليها من قبل "حزب الله" ومن قبل الأحزاب الطائفية والمذهبية والميليشياوية". وقال: "كل واحد من هؤلاء، ويا للأسف، مهتم بمصالحه وحصته من مغانم الدولة، هذا في الوقت الذي أصبحت فيه سفينة لبنان مهددة بالغرق".
 
واضاف: "إذا لم يتغير التفكير والتصلب غير المقنع وغير المبرر الذي لدى فخامة الرئيس، وكذلك أن يتغير الموقف الذي يتخذه حزب الله في إطباقه على الدولة اللبنانية وعلى اللبنانيين، فإنه يكاد يصبح من المستحيل إحداث التغيير المنشود وبالتالي استحالة تحقيق الإنقاذ".
 
واشار الى ان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي "اتخذ موقفا وطنيا هاما، ولقد عبرنا نحن عن تأييدنا له ودعمنا لهذا الموقف الوطني الكبير. وغبطته قد لخص الموقف بقوله بأن هناك حاجة من اجل تحرير الشرعية اللبنانية من الحصار المفروض عليها من قبل المليشيات والأحزاب الطائفية والمذهبية، وأنه صار من المطلوب العمل على تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية والدولية، وذلك من دون المس بانتماء لبنان العربي ومسؤوليته في ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي والحقوق الفلسطينية. والامر الثالث، كان في دعوة البطريرك من اجل العودة الى الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، ولاسيما القرارات التي تعني لبنان وهي القرارات: 1701 و1757 و1680 و1559".
 
وقال السنيورة: "هذا الموقف الوطني الكبير أدى الى ما يسمى بداية إلى عودة الروح في لبنان الى الكثيرين، ممن ايدوا هذا الموقف وهو فعليا موقف هام وأساسي. هذا الامر أصبح يستدعي من الجميع الوضوح والإرادة القوية والشجاعة، وكذلك المثابرة من أجل خوض غمار الإنقاذ".
 
وأكد ان ما يقوله "ليس دعوة للعودة للانقسام اللبناني- اللبناني، بل المقصود منه التنبيه إلى المخاطر الوجودية الجسيمة التي يتعرض لها لبنان واللبنانيون. وبالتالي، تحذير الجميع من الاستحقاقات الداهمة على لبنان والمنطقة على الصعد المالية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، وهي جميعها تتطلب إنشاء شبكة أمان وطنية يجري من خلالها المحافظة على لبنان على قاعدة احترام الشرعيات الثلاث: الشرعية اللبنانية المتمثلة بالدستور ووثيقة الوفاق الوطني، ونظام المصلحة اللبنانية والعربية، واحترام الشرعية الدولية بتطبيق القرارات الدولية الحامية للبنان".
 
وتابع: "ما يجب التأكيد عليه، ولا سيما على سلمية هذه الفكرة، أننا نريد أن نتجنب المواجهات بين اللبنانيين. بل ان ما نسعى إليه هو تعاونهم. وبالتالي العودة الى اعتماد مبدأ الحوار، وذلك حول السياسات العامة في لبنان من أجل تعزيز العيش المشترك بين اللبنانيين، واستعادة السكينة بينهم، وذلك ما عبر عنه قداسة البابا حنا بولس الثاني قبل قرابة 20 عاما عندما قال أن "فكرة لبنان في الأصل هي رسالة للبنانيين ورسالة لمحيطه العربي والعالم، وهي رسالة العيش المشترك فيما بينهم". وهذا لا يعني ان بإمكان أي فريق من اللبنانيين ان يفرض رأيه على باقي اللبنانيين، وذلك مستندا الى وهج السلاح الذي يحتفظ به أو في استعمال السلاح لفرض وجهة نظره على باقي اللبنانيين الآخرين".
 
واعلن "ان ما نقوله في هذا الخصوص هو دعوة للحوار بشأن السياسات العامة في لبنان من أجل العودة بلبنان الى ما ينبغي عليه أن يكون، لأن المخاطر التي يتعرض لها لبنان قد أصبحت مخاطر وجودية، وهي بالفعل مخاطر كبيرة جدا تجنبا لاستمرار وتعاظم الانهيار الحاصل في الثقة ما بين اللبنانيين وبين العهد ممثلا بفخامة الرئيس".
 
وعما اذا كان تهديدا مباشر للسلم الأهلي في لبنان، قال السنيورة: "نعم هذا الامر طبيعي، وهذا الذي يجب ان نتجنبه، وذلك بوضع الأمور على طاولة البحث الهادئ، بعيدا من الفرض وبعيدا من الاملاء على اللبنانيين، الذي يمارسه حزب الله وبعض الأحزاب التي كانت وما تزال تماليء النظام السوري".
 
ورأى ان "ما ينبغي العمل عليه الآن هو جمع التأييد والدعم لهذه الفكرة الوطنية لدى قطاع كبير من اللبنانيين. طبيعي هذا الامر، لن يكون من المستطاع تحقيقه في طرفة عين، وربما يحتاج إلى وقت وشجاعة وصبر ومثابرة. ولكنه هو الطريق الصحيح الوحيد والأمثل ليتمكن لبنان من التغلب على مشكلاته".
 
وقال: "هناك من يريد ان يفرض رأيه وهو يستند الى سلاحه من اجل ان يمنع حصول هذا الحوار حول السياسات العامة في لبنان، ليبقى هو ممسكا وقابضا على سلاحه ومهولا على اللبنانيين الآخرين، وهو السلاح الذي أصبح وياللأسف في خدمة أجندات إقليمية. المشكلة الآن، ان اللبنانيين أصبحوا معرضين لمخاطر كبيرة على الصعيد الوجودي وعلى الصعيد الأمني، وكذلك أيضا على الصعد الاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية. فهذا الوضع الذي نشهده في ما خص انهيار للثقة هو الذي أدى ويؤدي الى انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، وبالتالي الى انهيار مستوى ونوعية عيش اللبنانيين. ومن المعروف أنه ما كان يميز لبنان في الماضي عن كثير من الدول العربية هو وجود طبقة وسطى عريضة بين اللبنانيين. الآن هذه الطبقة قد انحسرت ويكاد يكون ذلك بشكل كامل الآن، وهذا الامر له تداعياته المعيشية والسياسية والأمنية الخطيرة".