"أنا مش كافر.. بس الجوع كافر" بتلك العبارة أسدل شاب لبناني ستار حياته بالانتحار، في بلد عربي يعاني ضغوطا اقتصادية قاسية.
 
أنهى الشاب حياته بطلق ناري في الرأس بالعاصمة بيروت، ليفيق اللبنانيون على 4 أشخاص تمكنوا من الانتحار في غضون 24 ساعة.
 
ويحذر مراقبون من تضاعف أعداد المنتحرين في لبنان مؤخرا، على وقع أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، خلفت احتجاجات شعبية غير مسبوقة.
 
وبتنامي ظاهرة الانتحار، سيما بين الشباب، تشير أصابع الاتهام إلى إخفاقات سياسية واقتصادية واجتماعية يمر بها البلد العربي المأزوم.
 
"الأناضول" تواصلت مع امرأة في العقد الثالث من عمرها خاضت تجربة انتحار فاشلة غيرت مسار حياتها بعد أن منحتها الحياة فرصة جديدة للبقاء، كما تطرقت إلى الجانب الديني والاجتماعي للظاهرة المتنامية في لبنان.
 
*ناجية من الموت
 
قالت سارة (اسم مستعار/ 33 عاما) "خلال جائحة كورونا تم تسريحي من العمل، وتعرّضت لمضايقات معنويّة ونفسيّة من جانب الأسرة، خاصة أنني امرأة مطلقة".
 
وتابعت: "مع خسارة مصدر رزقي، تعرّضت عائلتي لأزمة ماليّة حادّة، إذ أصيب شقيقي ووالدي بنوبات عصبيّة، مّا دفعهما أحيانا إلى تعنيفي وكأني مذنبة".
 
وأضافت: "في لحظة ضعف شعرت أنه لم تعد لي طاقة للاحتمال، فقرّرت وضع نهاية لحياتي، بعد أن واجهت اعتداء من شقيقي بالضرب المبرح، بعد أن فشلنا في دفع فاتورة الكهرباء".
 
وسردت قائلة: "أمسكت بشفرة حلاقة (حادة) وحاولت قطع شرايين يدي، لكنّ والدتي لحقت بي ومنعتني قبل أن اتمكن من إنهاء حياتي".
 
واختتمت قائلة: "بعد الحادث شعرت أن الحياة منحتني فرصة جديدة للبقاء. تجربتي الأليمة يجب أن تكون عبرة للجميع، تحلّوا بالإيمان والصبر".
 
** حرام شرعًا
 
ومن الناحية الشرعية، قال الشيخ علي الغزاوي، مدير مؤسّسات أزهر البقاع تابع لدار الفتوى اللبنانية:"كلّ الشرائع السماويّة أتت من أجل حفظ الدين والنسب وحفظ العقل والنفس".
 
وأوضح الغزاوي للأناضول، "قتل النفس مُحرّم، ومن قتل النفس وكأنّه قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنّه أحيا الناس جميعًا".
 
وتابع: "الأصل أن نحافظ على نفوسنا وأرواحنا، ولا يجوز لأي إنسان أن يستعجل في إخراج روحه أو أن يستعجل في إنهاء حياته في الدنيا".
 
وأضاف:"الحياة شكر وصبر، وفي الضراء والقلّة يُختبر الإنسان بصبره".
 
وحول ضرورة محاسبة المسؤولين عن تنامي هذه الظاهرة في لبنان، قال الغزاوي "المنتحر بسبب ضيق الرزق أو حتى ضعف ديني المسؤول عنه هو المجتمع الذي ينتمي إليه".
 
**أعداد متزايدة
 
ووفق أحدث إحصاء رسمي لقوى الأمن الداخلي، سجّل في لبنان العام الماضي، 171 حالة انتحار، لأشخاص تتراوح أعمارهم ما بين 18 و29 عاما.
 
فيما تشير إحصاءات غير رسمية إلى مضاعفة هذه الأعداد خلال العام الجاري، بسبب عدة عوامل أبرزها الأوضاع الاقتصادية الخانقة وتداعيات تفشي فيروس كورونا على سوق العمل في البلاد.
 
وقال أيمن رحمة، مسؤول التواصل بجمعيّة إمبرايس (غير حكومية) للأناضول، إن "عدد بلاغات الانتحار تضاعف هذا العام، إذ تراوحت بين 400 و 500 شهريا، بعد أن كانت حوالي 200 شهريا عام 2019".
 
وتابع: "بين أغسطس/آب وديسمبر/ كانون أوّل الماضيين، تلقينا نحو 788 اتصالا بشأن حالات انتحار".
 
فيما "تلقينا 1768 اتصالا خلال الفترة الممتدة بين يناير/ كانون ثان وأبريل/نيسان الماضيين"، بحسب رحمة.
 
وعزا أسباب تنامي الظاهرة إلى "تداعيات جائحة كورونا والحجر المنزلي والعنف الأسري، إضافة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية في لبنان".
 
وأوضح أن "نحو 90 بالمئة من الأشخاص الذين يفكرون في الانتحار يعانون أمراضا نفسيّة، ووبالتالي فإن الوقاية بالتوعية والتشجيع ضروريا لتفادي تنامي تلك الظاهرة".
 
وبدورها قالت الأخصائية والمعالجة النفسية لانا قصقص، للأناضول، إنّ "الدعم النفسي لمن يعانون أفكارا سوداوية أمر مهم".
 
وتابعت: "يمرّ لبنان بأوضاع سياسية واقتصادية ومالية غير مستقرّة، دفعت المواطنين وخاصة الفئة العمرية من الشباب إلى القلق والاكتئاب والإرهاق النفسي.