كتبت صحيفة النهار تقول:
 
 
‎مع أن "فورة الذروة" للإنتشار الوبائي لفيروس كورونا في لبنان فرضت إيقاعها المقلق ‏كأولوية لا يتقدمها أي ملف طارئ أياً كانت أهميته بعدما استمر عدّاد الإصابات يسجّل ‏لليوم الثالث توالياً أرقاماً قياسية، فإن هاجس تفلت الوباء على خطورته لم يلجم الأخطار ‏الأخرى التي تثقل على البلاد في ظل المراوحة الثقيلة في المعالجات الحكومية لتداعيات ‏الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية. وبدا واضحاً في ظل المعطيات التي تكشفت عنها ‏تطورات الأيام الأخيرة، أن الحكومة بدأت ما يمكن أن يشكّل هجوماً معاكساً في ظل اتساع ‏أخطار الانهيارات وما يمكن أن ينشأ عنها من تهديد لبقاء الحكومة وديمومتها. إذ أن ‏المعطيات المتوافرة تعكس تعاظم الانتقادات الخارجية ولا سيما منها للدول والمنظمات ‏المالية الدولية المعنية بمراقبة الوضع في لبنان للسياسات الحكومية التي لم تقدم حتى ‏الآن أي خطوات عملية حاسمة تؤكد ترجمة التزاماتها الاصلاحية وهو الأمر الذي ردّدته أخيراً ‏وبكثافة مواقف صندوق النقد الدولي من جهة والمسؤولين الفرنسيين من جهة اخرى‎.‎‎
لكن المفارقة اللافتة التي طبعت اتجاهات الحكومة في الفترة الأخيرة تمثلت في مضيها ‏في تحدي المناخ الضاغط نحو اتخاذ خطوات إصلاحية بل حولت هذا المناخ برمته الى ميدان ‏صراع علني عنوانه الدفاع عن بقاء الحكومة وتصوير الضغوط عليها للشروع في الخطوات ‏الاصلاحية بإنها استهدافات سياسية خارجية وداخلية يراد منها تصفية الحسابات مع "حزب ‏الله" في الدرجة الأولى. وفي ظل هذا التحوير للواقع الداخلي ووسط تفاقم الازمات ‏المتراكمة برزت مجدداً في الساعات الأخيرة ملامح التدهور الحاصل في المفاوضات بين ‏لبنان وصندوق النقد الدولي كما برزت التعقيدات الداخلية المتجددة حيال ملفات الأزمة ‏المالية، خصوصاً في ظل العودة المفاجئة الى نبش ملف "الكابيتال كونترول" الذي بات ‏عنواناً لملهاة - مأساة متصلة بالتهديد المنهجي لودائع اللبنانيين في المصارف واسترهانها ‏وتآكل قيمتها الى حدود التصفية‎.‎‎ 
وقد حذّر صندوق النقد الدولي أمس السلطات اللبنانية من أي تأخير في تنفيذ الإصلاحات ‏الضرورية كما من محاولات تقليل الخسائر المالية وقت يبدو أن المفاوضات بين الطرفين ‏تراوح مكانها‎.
ومنذ شهرين، وبناء على طلب من لبنان، عقدت 17 جلسة تفاوض بين صندوق النقد ‏الدولي والحكومة آخرها الجمعة للبحث في ملف الكهرباء، لكن مصادر مطلعة عدة قالت ‏الأسبوع الماضي إن المفاوضات تراوح مكانها‎.‎
وخلال مؤتمر صحافي عبر الانترنت، صرح نائب مدير صندوق النقد الدولي للشرق الأوسط ‏وشمال أفريقيا اثناسيوس ارفانيتيس بأنه "من أجل أن تتواصل المناقشات المثمرة في ‏هذه المرحلة، من المهم جداً أن تتوحد السلطات حول خطة الحكومة. ونحن على استعداد ‏للعمل معها لتحسين الخطة في حال الضرورة". وأضاف: "لكننا نشعر بالقلق أيضاً من أن ‏محاولات تقديم قيمة أقل للخسائر وتأجيل الإجراءات الصعبة لن يؤدي إلا الى زيادة تكلفة ‏الأزمة من خلال تأخير التعافي وإيذاء الفئات الأكثر ضعفاً".
وبدا خلال جلسات التفاوض التباين جلياً بين تقديرات الحكومة لمجمل خسائر الدولة ‏والمصارف المالية، وتقديرات المصرف المركزي وجمعية المصارف‎.‎ 
وقدّرت الحكومة هذه الخسائر بـ241 ألف مليار ليرة، وتدخل مجلس النواب عبر لجنة لتقصي ‏الحقائق قالت إن الخسائر تراوح بين 60 و91 ألف مليار ليرة. لكن صندوق النقد يعتبر أرقام ‏الحكومة أقرب إلى الواقع، ويطالب الحكومة باتخاذ تدابير سريعة بينها تحرير سعر الصرف ‏والتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وتقييد الرساميل بصفة رسمية، استناداً الى ‏المصادر المطلعة‎.‎
ومنذ بدء المفاوضات، ارتفع سعر الصرف من أربعة آلاف الى تسعة آلاف ليرة ازاء الدولار ‏في السوق السوداء قبل ان يتراجع الى نحو سبعة آلاف في الأيام الاخيرة‎.‎