عندما احتلت  المانيا من قبل الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفياتي تم تقاسم النظام الهتلري من قبل الدولتان المحتلتان لألمانيا الفاشية كما اعلنوا ، بالوقت الذي لم تكن افعال القوى المحتلة افضل من الدولة التي وقعت تحت الاحتلال بالرغم من النظام الاشتراكي الالماني الذي كان منتخبا بطريقة شعبية و ديمقراطية بصناديق الانتخابات  وجميعنا يعلم لماذا الالتفاف على هذا النظام  بالرغم من تصرفاته لكنه كان يخوض معارك وحروب كما الدول المنتصرة .

 

لكن بالنهاية سجلت للمنتصرين تاريخ جديد لان المانيا هزمت وفرض عليها من جديد شروطا قاسية لان المثل الروسي يقول بان الذي يملك الاموال يحجز الاغنية في  المطعم.

 


لقد دخل الروس الى جانب الامريكان وتصارع الاثنين من اجل الاستحواذ على الصناديق السرية لألمانيا من اجل الاستفادة منها ، لكن كل دولة اخذت من برلين ما يناسب نظامها وما يمكن الاستفادة منه .
فاذا اتفق الاثنان على اخذ المعلومات الفيزيائية من المعامل والمختبرات الالمانية حيث كانت تشهد المانيا التطور الصناعي والحربي في العالم ، تصارع الطرفان على السرقة الادبية التي كان عنوانها الملفات السرية ، تحت شعار الحصول على ملفات سرية تابعة لخطط الغستابو اي المخابرات الالمانية .

 


فالأمريكان كانوا السباقين بالحصول على المختبرات والادمغة الذين فضلوا الذهاب الى خلف البحار لمتابعة حياتهم والهروب من الوحشية والتعصب الروسي بسبب قساوة الحرب التي دامت بينهما 5 سنوات كان ضحاياها حوالي 55 مليون قتيل بحسب ارشيف الاتحاد السوفياتي الذي فتحه للجميع الرئيس ميخائيل غورباتشوف.

 


استطاع الامريكان من تسويق أنفسهم كدولة قوية وامنة ومستقرة فتحت جامعاتها ومختبراتها واراضيها للأدمغة الالمانية الذين شكلوا عمود فقري في الحياة الأميركية  لجهة الوصول الى القمر واطلاق صواريخ للفضاء كانت المانيا السباقة بتطوير هذه الصواريخ اضافة الى الصواريخ التي كانت عماد السيطرة عل العالم من خلال بناء ترسانة عسكرية عالمية .


لكن الروس اخذوا من الخزائن الهتلرية خرائط للتصنيع  الحربي والتقني وايضا الصاروخي حيث بات  سباق التسلح بينهما واضح وحتى حروب الفضاء كانت واقعة ضمن هذا التوجه ، لكن الروس لم يكتفوا بهذه التركة بل اخذوا نظام الدعاية التي اشتهرت به المانيا   والتي عرفت بالدعاية "الغوبلزية"، نسبة إلى وزير الدعاية النازي الشهير جوزيف غوبلز..

 


اضافة الى استنساخ  نظام الاستخبارات الالماني حيث وضعت الجهاز الاستخباراتي الجديد "شتازي" اي وزارة أمن الدولة اختصار للكلمة الألمانية Ministerium für  Staatssicherheit في ألمانيا الشرقية المعروف تعني حرفيا أمن الدولة في خدمة مشاريعها الاممية .


  لقد واكب لاحقا صعود هذا الجهاز  اشهر واقوى رجال المخابرات الروسية وطليعتهم  يوري فلاديميروفيتش أندروبوف ، تولى رئاسة المخابرات السوفييتية ال"ـ كي جي بي" بين العامين 1967-1982. ثم أصبح الأمين العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي من عام 1982 حتى وفاته عام 1984 ولم يتم تسليم المنصب من بعده لمدة 15 شهراً ، فكان 


فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين  خليفته  ، لا يزال في رئاسة روسيا من عام 2000  ، بوتين سياسي روسي وضابط مخابرات سابق قبل انهيار الاتحاد السوفييتي شغل  وقتها  رئاسة المنصب الامني  وعمل في مدينة دريسدن بولاية ساكسونيا بألمانيا في  حتى العام 1989 ،  باتت المانيا الديمقراطية مركز مخابراتي يتخرج منه كل الاعمال الوسخة في العالم  ومركز مراقبة  لكل اوروبا .

 


 لقد تحولت المانيا الشرقية بواسطة المخابرات الروسية الى القيام بمهام استخباراتية عالمية تجند العديد من المنظمات الثورية  اليسارية وغير اليسارية لصالح المخابرات السوفياتية، و تستخدم "دريسدن "كقاعدة لتنفيذ وتخطيط عمليات خاصة لمصلحة السوفيات في اطار الحرب الباردة بين القطبين ،ويمكن القول بان ايادي المخابرات الالمانية كانت تستخدم في بناء الاجسام المخابراتية لحلفاء السوفيات في كافة الدول العالمية حيث كانت تقتضي المصالح  .

 


هنا يكمن التوقف امام دور المخابرات السوفياتية في تنفيذ عملية 24 ساعة في ميونخ حيث جمعت جهاز امن 17 لحركة فتح "منظمة أيلول الأسود" وبعض قيادات من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قسم وديع حداد لتنفيذ العملية ضد الفريق الرياضي الاسرائيلي  وقد اشرف عليها شخصيا ابو حسن  سلامة من برلين حيث كان يتواجد فيها وبالتأكيد بتصريح خاص من قبل السوفيات والالمان ففي 1972 كانت العملية القوية التي اقسمت المخابرات الصهيونية بالرد فقتلت ابو حسن في عملية ارهابية مماثلة في بيروت منطقة فردان عام  1979.

 


لكن العملية  التي تم تنفيذها في ميونخ قد استطاعت قطف ثمارها موسكو في التعاون العسكري مع مصر وسوريا وخاصة عام 1973 في دعمها للمعارك العسكرية والتأثير فتسير المعارك والتفاوض ولكن تلكؤ الروس سبب بردة فعل من السادات ادت لإخراجهم من مصر لاتزال الصدمة تراودهم بالعودة الى اليوم .

 


فكانت مهمة المخابرات الالمانية بناء شبكات عالمية  واستخدامها في دولها او في دول اخرى  ومن ابرزها :


-حركة  بادر- ماينهوف  الالمانية : هي مجموعة جماعة الجيش الأحمر RAF، إحدى أبرز وأنشط الجماعات اليسارية المسلحة بألمانيا الغربية ما بعد الحرب. وتصف نفسها بأنها جماعة "مسلحة مدنية" شيوعية تشارك في مقاومة مسلحة، في حين أن حكومة ألمانية الغربية تعتبرها جماعة إرهابية

 


-الالوية الحمراء هي منظمة شبه عسكرية يسارية، مقرها في إيطاليا، كانت مسؤولة عن العديد من حوادث العنف، بما في ذلك عمليات الاغتيال والخطف والسرقات خلال ما يسمى "بسنوات الرصاص".
 -الجيش الجمهوري الأيرلندي، ‏ هو منظمة شبه عسكرية وجيش مؤقت سعى لتحرير إيرلندا الشمالية من الحكم البريطاني وإعادة توحيدها مع الجمهورية الأيرلندية.

 


-الجيش الاحمر الياباني، وكان في فترة من الفترات أكثر الحركات الفدائية إثارة للخوف. كان للجيش الأحمر الياباني علاقات وطيدة مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من اشهر  اعضائها كوزو أوكاموتو منفذ عملية مطار اللذ بعد خروجه من السجن في إسرائيل انتقل الى لبنان.

 


وكذلك مجموعات يسارية  من تركيا  وايران وباكستان وافغانستان  ونيكارغو وحتى امريكا نفسها لأهداف مخابراتية خاصة، كانت مسؤولة عن اعمال تخريبية  وعنفيه . ربما كانت بيروت ساحة خصبة لهذه الوفود ومنظمة التحرير خيمة ومظلة لهذه الاعمال الارهابية لكن كان عرفات يساعد كل احرار العالم ويفتح معسكراته وقواعد الثورة لدعم ثوار العالم لأجل اكتساب عطف عالمي مساند للقضية الفلسطينية .

 


فهذه الحركات الاممية كانت ترسل الى بيروت  للمشاركة في التدريب والقتال الى جانب المقومة الفلسطينية وتحديدا في تنظيماتها اليسارية كالجبهة الشعبية والديمقراطية  كتطوع اممي يساري لنصرة القضية الفلسطينية .
اذا حاولنا اعادة الذاكرة الى الوراء فان جهاز شتازي  لعب دورا قذرا في العمليات التخريبية والدموية  والاستخباراتية لصالح المشغل الذي كان يشرف عن بعد لمراقبة تنفيذ الاعمال القذرة (كي جي بي ). 


لكن بعد انهيار جدار برلين وضعف جهاز  الكي جي بي  السوفياتي لم تتمكن  روسيا الصاعدة من حماية   جهاز التخريب "شتازي" بل ساعدت في تفكيكه وتسليمه للنظام الموحد في المانيا الغربية لقاء مساعدة مالية كبيرة قدمتها  برن وقتها  لموسكو ، حيث كانت ابشع جرائم في العالم ترتكب بمساعدة موسكو  ، لقد  شكلت مواقف  موسكو الجديدة تغيير دراماتيكي لدى المراقبين والمتابعين للمشهد السياسي  هو تسليم إريش هونيكر الامين العام  للحزب الشيوعي الالماني الشرقي  الذي  هرب  عام 1991 الى  روسيا  لكن تم تسليمه للنظام الجديد  وحوكم  بجرائم ضد الانسانية  وحقوق الانسان حيث قضى اربع سنوات في السجن نتيجة تقدمه في السن وبسبب مرض السرطان حيث توفي في تشيلي .


انتهت جرائم نظام المخابرات العالمي "شتازي " الذي انتهى بسقوط  جدار الفصل القطبي وسقوط المنظومة الاشتراكية وسقوط الاممية الماركسية التي حاولت موسكو تطويعها واستخدامها في خدمة مشروعها القطبي.

 


خالد ممدوح العزي .

 

صحافي وكاتب لبناني .
مختص بالشؤون الروسية واوروبا الشرقية .