كشف مسؤولون عراقيون عن تفاصيل خاصة تتعلق بالأسباب التي دفعت مفوضية الاتحاد الأوروبي إلى الإبقاء على العراق ضمن القائمة المنقحة للدول عالية المخاطر بشأن غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، مؤكدة أن الأمر يتعلق بأنشطة مالية يمارسها حزب الله اللبناني.
 
وقال مسؤولان عراقيان في القطاع المالي وثالث في القطاع الأمني، لـ”العرب”، إن الاتحاد الأوروبي رفض مجددا إزالة اسم العراق من لائحة الدول التي تخضع لقيود صارمة على تداول الأموال، بسبب أنشطة مشبوهة يديرها حزب الله بزعامة حسن نصرالله.
 
وقالت المصادر إن الأنشطة المشبوهة لحزب الله تدور حول نافذة في البنك المركزي تبيع الدولار الأميركي مقابل الدينار العراقي للتجار الراغبين في استيراد بضائع من الخارج، مشيرة إلى أن هذه النافذة تحولت إلى مصدر رئيسي لتمويل أنشطة حزب الله وعدد من الميليشيات العراقية التابعة لإيران، أبرزها كتائب حزب الله المتهمة باغتيال الخبير العراقي هشام الهاشمي وحركة عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي المطلوب للولايات المتحدة في قضايا إرهابية.
 
وقالت شخصية سياسية لبنانية إن القيود المالية على العراق تندرج في إطار سد الثغرات التي يستغلها حزب الله للحصول على الأموال ومتابعة نشاطه في لبنان وخارجه وذلك في مرحلة تقلص فيها الدعم الإيراني المباشر له.
 
ورأت هذه الشخصية أن العراق ما زال أحد مصادر تمويل حزب الله بسبب العلاقات الوثيقة التي استطاع إقامتها مع زعماء الميليشيات الشيعية ومع مواقع مهمة في تركيبة النظام القائم، خصوصا عندما كان نوري المالكي رئيسًا للوزراء.
 
وأوضحت المصادر أن الأميركيين مهتمون حاليا بتفكيك الشبكة التي أنشأها الحزب في العراق والتي سمحت له بالحصول على مئات الملايين من الدولارات سنويا.
 
ويقول المسؤولون إن القيادي البارز في حزب الله اللبناني محمد كوثراني أسس بمعية ساسة عراقيين، بينهم نوري المالكي، شبكة تواصل تربط عددا من المصارف الأهلية، وتؤمّن حصولها على مبالغ تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات يوميا، عبر نافذة البنك المركزي، مؤكدين أن المبالغ التي تخرج من البنك المركزي يوميا بذريعة تغطية نفقات استيرادية، استخدمت لتبييض مئات الملايين من الدولارات في بيروت.
 
واستخدم حزب الله والمالكي والخزعلي نفوذهم السياسي والأمني والاستخباري لتسهيل عمليات غسيل أموال على نطاق واسع داخل العراق شملت مليارات الدولارات.
 
ويرى متعاملون في القطاع المالي العراقي أن أنشطة حكومية وأخرى في القطاع الخاص لا غبار عليها تعاني كثيرا بسبب القيود الأوروبية على حركة الأموال العراقية، الناجمة عن الصلات المشبوهة لحزب الله اللبناني بهذا القطاع.
 
وقالت المصادر إن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تدخل مؤخرا لدى دول ومنظمات لتسهيل عمليات تبادل تجاري عادية، لم تكن لتتم، بسبب القيود الأوروبية المرتبطة بحزب الله.
 
وكانت مفوضية الاتحاد الأوروبي وضعت العراق ضمن القائمة المنقحة للدول عالية المخاطر بشأن غسيل الأموال وتمويل الإرهاب عام 2016، لتتبُّع أصول مالية تخص تنظيم داعش، الذي كان آنذاك يحتل مساحات واسعة في العراق.
 
وفي 2018 اقترب العراق كثيرا من مغادرة القائمة، لكنّ خبراء ماليين دوليين اكتشفوا ثغرات في أنظمة البنك المركزي العراقي تتيح لميليشيات تابعة لإيران الحصول على أموال طائلة، تحت ذرائع تبدو قانونية، لكنها في الحقيقة أنشطة مشبوهة.
 
واكتشف الخبراء الدوليون حقائق صادمة عن خروج أموال عراقية طائلة إلى لبنان، في حين كان يجب أن توجه إلى أوروبا والصين وكندا.
 
وانتهت المراجعة الأخيرة من قبل المفوضية إلى الإبقاء على اسم العراق ضمن القائمة.
 
ويقول مكتب مكافحة غسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في العراق، إنه يطور منذ أعوام تدابير لـ”مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال إصدار أنظمة وتعليمات تنظم هذا القطاع واقتناء أجهزة وبرامج تساهم في كشف هذا النوع من العمليات بالإضافة إلى الدخول في معاهدات ثنائية ومتعددة الأطراف تعنى بالتعاون الدولي على مكافحة هذه الجرائم”.
 
وذكر مصدر داخل مكتب مكافحة غسيل الأموال أن “استمرار إدراج العراق في قائمة الاتحاد الأوروبي لم يكن بسبب تأشير وجود قصور في ملف العراق وإنما كان تحت ذريعة أن الوضع الأمني في العراق لم يُمكّن مفوضية الاتحاد الأوروبي من الوقوف على وضع العراق ميدانيًّا أو التواصل مع العراق بشكل مباشر”.
 
وأضاف أن “هذا السبب لم يكن سببا فنيا أو مقبولا لاستمرار إدراج العراق في هذه القائمة”، مشيرا إلى أن وزارة الخارجية ووزارة المالية بادرتا “بإرسال رسائل احتجاج على توصية المفوضية الأوروبية الأخيرة بعدم رفع اسم العراق من القائمة كما استمر مكتب مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بعقد الاجتماعات مع الجهة المعنية في المفوضية لشرح وتقديم الأدلة التي تثبت استيفاء العراق لمتطلبات ومعايير الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب”.
 
وخلص المكتب إلى أن “التوصية الأخيرة للمفوضية الأوروبية لم تدخل حيز التنفيذ بعد وإنها لا تعني منع التعامل مع العراق وإنما تقتصر على تطبيق العناية الواجبة تجاه التعاملات المالية التي تكون المؤسسات العراقية جزءا منها”.
 
ورغم شموله بعقوبات في عدد من الدول، إلا أن العراق لا يحظر التعاملات المالية مع حزب الله الذي تؤكد مصادر مطلعة أنه يشغل بشكل غير مباشر عددا من المصارف العراقية الخاصة.
 
وتوضح المصادر أن الحزب اللبناني منخرط في عمليات تجارية واسعة في مجالات اقتصادية عراقية متعددة، مستخدما واجهات وهمية لإتمامها.
 
ويقول مختصون إن استمرار هذا النوع من الأنشطة يحول دون تحسن سمعة العراق في المجال المالي دوليا، ويعرضه لمخاطر فرض عقوبات اقتصادية في أية لحظة.