كتب إيلي الفرزلي في صحيفة "الأخبار" تحت عنوان "حان وقت تصحيح الأجور": "الأجور تتآكل. لم يعد بالإمكان الانتظار أكثر. مقارنةً بارتفاع سعر صرف الدولار، فإن قيمة الأجور تراجعت نحو 80 في المئة. الـ675 ألف ليرة التي يُفترض أن تُمثّل الحد الأدنى للأجور، صارت تساوي 77 دولاراً. هذا معدل من الأدنى في العالم. وإن أكمل الدولار على الوتيرة ذاتها، فلن يتأخر اللبنانيون عن الفوز بلقب أصحاب الدخل الأدنى في العالم.

 

 

ثمة من يرفض الربط بين الأجور والدولار، انطلاقاً من أن المقارنة يجب أن تكون بين الأجور والقدرة الشرائية لهذه الأجور. تلك أيضاً تراجعت بشكل استثنائي. إذا كان الراتب مركّباً من خمسة عناصر هي السلة الغذائية والنقل والطبابة والسكن والتعليم، فإن الحد الأدنى للأجور لم يعد يكفي حتى لتأمين السلة الغذائية. فكيف يكمل العامل حياته؟ ومن أين يأتي بثمن الطبابة والنقل والسكن والتعليم، عدا عن استكمال السلة الغذائية؟

 

كل ذلك يشير إلى أنه لا مفر من تصحيح الأجور. الاتحاد العمالي العام سبق أن طالب وزيرة العمل لميا يمين بدعوة لجنة مؤشر غلاء المعيشة إلى رفع الحد الأدنى للأجور وتصحيحها بنسبة التضخم، "كحل وحيد لحماية القدرة الشرائية للأجر وتحسينها". الوزارة لا تزال تتحفظ على الدعوة، بالرغم من أن يمّين سبق أن صرّحت بأنه لم يعد للأجور حالياً أي قيمة فعلية. لكنها في المقابل، ربطت أي تعديل لهذه الأجور بثبات سعر الصرف، مشيرة إلى أنه "يجب أن يتم ذلك بعد دراسة دقيقة وليس بشكل عشوائي، لتجنّب ما حصل بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب".

 


موقف يمّين ليس بعيداً عن موقف الهيئات الاقتصادية. مصدر في الهيئات الاقتصادية يقول إنها تقدّر المعاناة التي يعانيها الموظفون، لكنها تعتبر أن المعاناة مشتركة بين العمال وأصحاب العمل. لا يتردد المصدر في اعتبار أصحاب الثروات الذين حققوا أرباحاً هائلة على سنوات (لم تنعكس تحسيناً لأوضاع العمال والموظفين)، متساوين في المُصاب مع الذين صاروا ينتظرون الراتب كل شهر، فقط لتجنّب الجوع.

 


في النتيجة، فإن هذه الهيئات، التي يزور وفد منها برئاسة محمد شقير مقر الاتحاد العمالي اليوم، لا تزال تعتبر أن أي زيادة في الأجور حالياً ستكون بمثابة المسمار الأخير في نعش الاقتصاد. حجة هؤلاء أن الوضع الراهن قضى على المؤسسات، التي صارت بين شرّين، الإقفال أو تقليص النفقات، ومن بين الخيارات صرف الموظفين أو تخفيض رواتبهم. يؤكد المصدر أن الهيئات تريد أن تحسّن القدرة الشرائية للموظفين، لكنها لا يمكن أن تخطو هذه الخطوة قبل ثبات سعر الصرف وتنفيذ الحكومة لإصلاحات جدية توقف الانهيار. أما في الوقت الراهن، حيث آلاف المؤسسات تقفل يومياً، فإن أي خطوة غير محسوبة ستؤدي، بدلاً من تحسين وضع الموظفين، إلى زيادة عدد العاطلين من العمل". 

 


وأضاف: "الضمان الاجتماعي، الذي يحتاج بدوره إلى عملية إنقاذ، ربطاً بموجوداته التي انهارت قيمتها، سبق أن أصدر دراسة تشير إلى أن 37.5 في المئة من المداخيل المصرّح عنها تقل عن مليون ليرة، و86 في مئة من الأجور تقل عن ثلاثة ملايين ليرة. ذلك يظهر تماماً حجم المعاناة التي يعيشها الموظفون، الذين يواجهون، منذ ما قبل الأزمة المالية، انخفاض القدرة الشرائية لأجورهم. آخر تصحيح للأجور كان في العام 2012، ومنذ ذلك الحين، ازداد التضخم بشكل كبير، قبل أن ينفجر مع بداية العام 2020.
شرائح الرواتب تلك، ربطاً بمطلب الاتحاد العمالي رفع الحد الأدنى للأجور إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف الحد الأدنى الحالي، تعني أن ما يزيد على ستين في المئة من العاملين صاروا يتقاضون الحد الأدنى المفترض أو أقل".