لا يسعنا أخيراً سوى الجهر بالصوت العالي: كفى..كفى تغطية وتعمية على الفاسدين ولصوص الهيكل.
 

بما أنّ سماحة السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله اختار بالأمس النقاش والحوار الهادئ مع شركائه في الوطن، بما فيهم مُعارضيه ومُناوئيه، نرغب في نقاش ما ورد في خطابه بالأمس بهدوءٍ ورويّة، فقد ركّز سماحته على معالجة الأزمات الاقتصادية والمالية الحادّة وتدهور معيشة المواطنين، حتى بات الجوع داخل البيوت، ويتمدّد في الساحات والشوارع والحانات كالثّعبان بلا فحيح.

 

أصرّ السيد نصرالله بالأمس على إشاحة النظر عن الفاسدين وناهبي المال العام، وهم باتوا على كلّ شفةٍ ولسان، يُعرفون بالأسماء والعناوين، يشغلون المناصب الحكومية والنّيابية والقضائية والأمنية، يرأسون مجالس إدارات الشركات والمقاولات والتّعهّدات والمصارف، يسكنون القصور ويُكدّسون الثروات، حتى أنّ بعضهم لا يخجل ويتباهى بذلك بالصّوت والصورة، فقد قال الوزير السابق جبران باسيل في لحظة تخلٍّ: إنّ من يملكون القصور والطائرات الخاصّة واليخوت ليسوا أشطر منه ولا أذكى ولا أكثر نشاطاً وحنكة، القاصي والداني يعرف الفاسدين وناهبي المال العام، ما عدا سماحة السيد، (حتى لا نتّهمُهُ بحمايتهم)، الذي يمتلك عيوناً لا تنام، ورُقباء لا يتعبون، ومع ذلك فالسّيد يُشيح النّظر عنهم، ويدعو اللبنانيين إلى "جهادٍ" زراعي وصناعي وتجاري( ولربما يدخل التّهريب في نطاق هذا الجهاد)،

إقرأ أيضا :  قناة المنار وفقه تحريم السِّماع ( سِماع الأغاني والألحان)

 

 

وكأنّ المواطنين الصابرين الغافلين كانوا طوال العقود الثلاثة الماضية عن الزراعة غافلون، وعن الصناعة سادرون، وعن التجارة لاهون، لا يا سماحة السيد، لقد نزل اللبنانيون مع عائلاتهم،  كبيرهم وصغيرهم إلى السهول والحقول وصعدوا إلى الجبال، يبذرون ويزرعون ويحصدون ويقطفون، لم يفرّوا من حمّارة القيظ، ولا من صبّارة القُرّ، كذلك أدار اللبنانيون محركات مصانعهم ولم يبخلوا بجهدٍ ولا عرَق، كذلك سهروا وحدبوا على أمور تجارتهم بأشفار العيون( كما سبق لكم واستعملتم هذا التعبير)، ثمّ أودعوا ثمار تعبهم وكدّهم في المصارف، علّها تقيهم عاديات الزمان، وصروف الليالي، هؤلاء المزارعين وعُمّال المصانع والحرفيّين وصغار الكَسَبة، ليسوا بحاجة إلى من يُرشدهم اليوم إلى خبايا مهنتهم وفنون صناعتهم وأساليب إدارتها، هم اليوم بأمسّ الحاجة إلى من يضرب بيدٍ من حديد على أيدي الفاسدين وناهبي المال العام، ومن أكل الزّرع  وأهلك الضّرع، وعاث فساداً وطغياناً وكفراً، الفاسدون يا سيد يُعرفون بسيماهم، في صفوف الأحزاب( ولا تنزيه لأحد بما فيه الحزب الذي تتولّى أمانته يا سيد)، القابعون على كراسي الحكم، وهم من أقرب حُلفائك حتى أبعد مُناوئيك ومعارضيك، وما هو مطلوبٌ اليوم معالجة الداء في الداخل، عند الأقربين، قبل رمي التُّهم على الأبعدين، أمّا هذا الكلام الذي تفضّلتم به بالأمس، المشحون بالمواعظ والإرشادات وتجهيل الفاعلين وذرّ الرماد في العيون، فقد ملّت الناس سماعه، وباتت على يقين بلا جدواه، ذلك أنّه يُردّد صباح مساء على ألسنة الرؤساء الثلاثة، وعلى ألسنة وزراء الحكومة "الديابية".

 

لا يسعنا أخيراً سوى الجهر بالصوت العالي: كفى..كفى تغطية وتعمية على الفاسدين ولصوص الهيكل.