يُجمع الخبراء على أنّ إدارة الدولة منذ سنوات طويلة هي التي أوصلت البلد الى الافلاس. وفي إحدى الأوراق التي جرى إعدادها لإعطاء فكرة موجزة عن الأزمة، يتمّ التركيز على الاجابة عن السؤال التالي: كيف أنفقت الدولة الاموال التي اقترضتها؟

 


تقول الدراسة انّ الدولة أنفقت الاموال المُستدانة على مدى سنوات طويلة، على أبواب غير مُنتجة. وإذا استثنَينا الهدر والسرقة، يمكن إيراد الابواب التالية التي شكّلت مصادر إنفاق أساسية للحكومات المتعاقبة:


أولاً- تمويل عجز دائم في مؤسسة كهرباء لبنان، والذي تجاوز مجموعه الـ30 مليار دولار في السنوات العشر الأخيرة.

 

 

ثانياً- كلفة تشغيل القطاع العام الذي تضخّم في السنوات الأخيرة بشكل غير مسبوق، وفاقَمته سلسلة الرتب والرواتب، ثم جاء التوظيف العشوائي ليضاعف المشكلة.

 

 

 
ثالثاً- التهرّب الجمركي والضريبي، من دون أن تقوم الحكومات المتعاقبة بواجبها في حماية حقوق الدولة، ما حرم الخزينة ايرادات تقدّر بمليارات الدولارات. والنموذج الذي يمكن تقديمه حول حجم التهرّب الضريبي يستند الى توزّع الايرادات الضريبية على مختلف القطاعات. إذ تُبيّن الأرقام الرسمية انّ حصة القطاع المصرفي من الناتج المحلي هي 6%، لكن هذا القطاع يُساهم بنسبة 60% من ضريبة الدخل، و33% من الضريبة على رؤوس الاموال المنقولة، و20% من عائدات الضريبة على الرواتب والاجور. هذه الارقام هي في حد ذاتها مَضبطة اتهام في حق الدولة المقصّرة، والتي ضَيّعت المليارات من الايرادات الضريبية التي كان ينبغي جمعها من كل القطاعات الاخرى، إذ يتبيّن من خلال هذه الارقام انّ المصارف التي كانت تعلن عن أرقامها بشفافية، وتدفع الضرائب مقابل النتائج المالية، كانت الوحيدة تقريباً بين القطاعات التي لم تعتمد أسلوب الدفترين الشهير، الذي اعتمدته معظم المؤسسات للتهرّب من دفع الضرائب.

 

رابعاً- الهدر في الصفقات العمومية وفي الانفاق عبر المجالس والصناديق.

 

 

خامساً- كلفة تمويل عجز الميزان التجاري الذي ارتفع من 11 مليار دولار سنة 2011 الى حوالى 17 مليار دولار سنة 2019، وكان على النظام المالي اللبناني تأمين هذا العجز الكبير بالعملات الأجنبية.

 

 

سادساً- تثبيت سعر صرف الليرة، وهي سياسة تَبنّتها جميع الحكومات منذ الطائف واستفادت منها جميع فئات المجتمع اللبناني، لا سيما أصحاب الدخل المحدود، إذ انها حافظت على مستوى مداخيلهم ومعيشتهم. لكنّ كلفة هذا التثبيت كانت مرتفعة، خصوصاً في السنوات الأخيرة، حين ظهرت الحاجة الى رفع إضافي في اسعار الفوائد، لاستقطاب الدولار بُغية استخدامه في دعم الليرة، وتمويل الدولة.

 

 

سابعاً- الحرب السورية والتوترات الاقليمية التي حدّت من قدرة لبنان على تصدير إنتاجه، والتي أدّت الى نزوح مليون ونصف مليون سوري الى لبنان، الأمر الذي ساهمَ في استنزاف الاقتصاد، وشَكّل ضغطاً إضافياً على مالية الدولة. بالاضافة الى انّ الانقسام العربي الواضح حيال الحرب في سوريا، ومشاركة أطراف لبنانيين في هذه الحرب، ساهمَ في تراجع الاستثمارات الخليجية في لبنان، وأدّى الى نوع من العزلة المالية تعرّض لها البلد بسبب تداعيات هذه الحرب.

 

 

أخيراً، لا بد من الاشارة الى أنّ تلكؤ الحكومات المتعاقبة في القيام بأي خطوة اصلاحية، أو اتخاذ قرار واحد لكبح اندفاعة الانهيار، والاهمال الذي مارَسته الحكومات المتعاقبة، كلّ ذلك لم يساعد في وقف زحف الكارثة المالية والاقتصادية التي دخل فيها البلد اليوم. ومع انّ الخروج من هذا النفق لا يزال متاحاً، إلّا أنّ مؤشرات عدم تغيير أسلوب الدولة في التعاطي مع المشكلة، لا يبشّر بالخير.